محافظ القليوبية يعتمد تنسيق القبول بالصف الأول الثانوى العام 2025/ 2026    حزب المصريين: خطاب 3 يوليو نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث    انسحاب برلمانية المصري الديمقراطي من جلسة النواب احتجاجًا على تمرير المادة الثانية من قانون الإيجار القديم    محافظ الفيوم يعتمد درجات تنسيق القبول بالمدارس الثانوية والدبلومات للعام الدراسي 2026/2025    رئيس جامعة دمياط يتفقد معرض مشروعات التخرج بكلية الآداب    مصطفى بكري: الحكومة ممعنة في مخالفة النصوص الدستورية    البورصة تربح 12 مليار جنيه بختام تعاملات اليوم الأربعاء    39 شهيدًا وأكثر من 210 مصابين في قصف الاحتلال لمراكز توزيع المساعدات خلال 24 ساعة    استعدادًا للمونديال.. وديتان لمنتخب مصر تحت 20 سنة أمام الأوليمبي الكويتي    وزيرا الخارجية والرياضة يبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك    «الصحة» تعلن أسماء مصابي حادث غرق حفار البترول بجبل الزيت    مستند.. «التعليم»: بدء التقديم الإلكتروني للالتحاق بالمرحلة الثانوية عام وفني    نصائح لطلاب الثانوية العامة في امتحان الكيمياء    رئيس مهرجان بغداد السينمائي يعلن شروط مسابقات الدورة الثانية    نقابة الموسيقيين تنعى المطرب أحمد عامر    توصيات المؤتمر السنوي ال53 لقسم طب وجراحة العيون بجامعة عين شمس    «البنك المركزي» يكشف طرق تقديم الشكاوى البنكية في خطوات سهلة    عمدة هيروشيما: تصريحات ترامب لا تمت بصلة لواقع القنبلة الذرية    اختتام فعاليات ورشة عمل الممارسات الزراعية الجيدة لمحصول القمح    لإنقاذ الغرقى.. توزيع هيئة الإشراف والمنقذين على شواطئ مدينة العريش    استرداد 79 فدان من أراضي أملاك الدولة غير المستوفية لشروط التقنين بأرمنت    الزمالك يقترب من الإعلان عن صفقة مهاجم فاركو    ندوة أدبية ب«روض الفرج» تحتفي بسيد درويش شاعرًا    من الترشح إلى إعلان النتائج.. دليلك الكامل لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    محافظ أسوان يتابع تشغيل منظومة التأمين الصحي الشامل    أطعمة تساعد على تحسين جودة النوم    وزير الأوقاف يبحث مع نظيره الفلبيني إصدار شهادات الحلال وتدريب الدعاة    "الزراعة" تستعرض تقريرا حول الجهود البحثية والخدمية والميدانية ل"بحوث الصحراء" خلال يونيو    محافظ الشرقية يتابع أعمال سحب تجمعات مياه الأمطار من شوارع الزقازيق    3 مصابين في حادث تصادم على طريق الإسماعيلية بالسويس    كواليس موت "دنيا" في سوهاج.. خلاف بين شقيقتين ينتهي بجريمة قتل على يد الأم    جمال عبدالحميد يهاجم إمام عاشور ويُعلق على رحيل زيزو    الجيش الإسرائيلي: القبض على خلية "إرهابية" تديرها إيران في جنوب سوريا    كامل الوزير يلتقي نائب رئيس الستوم لمتابعة آخر مستجدات الخط السادس للمترو    تامر حسني: "في عمر وسلمى 4 ليلى زاهر أمي وملك زاهر خالتي"    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة الموقف التنفيذي لمشروع حدائق تلال الفسطاط    الإفتاء توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا.. مكروه أم جائز؟    المصرية للاتصالات تنتهي من عمليات الإنزال ومسارات العبور الخاصة بالكابل البحري SEA-ME-WE-6 في مصر    ترامب يهدد زهران ممداني بالاعتقال ويشكك في جنسيته.. والأخير يرد: هذا ترهيب سياسي    مصدر ليلا كورة: عمر الساعي ينتقل إلى المصري على سبيل الإعارة    تكريم خاص من الزمالك.. عقد شيكابالا يُصرف بالكامل في حال الاعتزال    في 13 أسبوع عرض.. إيرادات سيكو سيكو تصل ل188 مليونا و423 ألف جنيه    مهرجان إعلام 6 أكتوبر للإنتاج الإعلامي يكرم الفنان محمد صبحي    عالم سعودي يكشف عن 4 مراتب لصيام عاشوراء: المرتبة الأولى الأفضل    تعرف على مكافآت لاعبى الهلال بعد التأهل التاريخى فى مونديال الأندية    ضوابط منح الترخيص المؤقت للحضانات    إعلام الاحتلال عن مصدر: المقترح الجديد لا يتضمن تعهدا واضحا بإنهاء الحرب    تحتوي على مواد قابلة للاشتعال.. إزالة مخازن مخالفة تشكل خطراً على المواطنين بالجيزة    رئيس جامعة المنيا يفاجئ مستشفيات الجامعة بعد منتصف الليل للاطمئنان على انتظام العمل    رويترز: الجيش الإيراني أجرى استعدادات لزرع ألغام في مضيق هرمز    آخر ما كتبه المطرب أحمد عامر قبل وفاته بساعتين    رسميا.. جدول مباريات ربع نهائي كأس العالم للأندية (كاملة)    "بوليتيكو": الولايات المتحدة توقف بعض شحنات الصواريخ والذخائر إلى أوكرانيا    البحر الأحمر: جهود مكثفة للعثور على 4 مفقودين في غرق حفار بجبل الزيت.. والمحافظ يتفقد الموقع    التشكيل الرسمي لمباراة بوروسيا دورتموند ومونتيري في مونديال الأندية    من دعاء النبي.. الدعاء المستحب بعد الوضوء    أمين «البحوث الإسلامية»: الهجرة النبويَّة تأسيسٌ لمجتمع قيمي ينهض على الوعي    هل يحق للزوجة طلب مسكن مستقل لضمان استقرار؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفهم والخبرة والفطنة والتوقع
مدارات
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 06 - 2018

أصل الفهم معرفة حقيقة ما حدث بعد حدوثه والانتفاع بذلك في بناء الخبرة، أما فهم ما لم يحدث فلا يكون إلا جزئيًا ومجازًا .. أي مقاربة ما توقعنا حدوثه لما سوف يحدث بالفعل وتوقعنا حدوثه نتيجة الخبرة والفطنة .. وهذه المقاربة تختلف من حيث درجة صحة التوقع وعدم صحته باختلاف مقدار سلامة الخبرة ومبلغ وحسن الفطنة .
ولذلك تختلف توقعات الآدميين في كل عصر وصقع لما سيحدث، سواء بالنسبة لشئون كل منهم الخاصة أولمحيطهم وعالمهم .. وذلك بالرغم من وجود قدر عام من التشابه يرجع لتشابه الاستعدادات والعواطف في النوع كله .. وطبيعي أن يكون معظم فهمنا هوهذا الفهم الجزئي المبني علي التوقع، لأن حياة الآدمي امتداد في مستقبل أغلبه مجهول بالنسبة للمرء ينتهي حتما وتبقي آثاره أوبعضها لأمد يطول أويقصر بقاءً في ذاكرة أحياء جدد .. حاصلاً أومحتمل الحصول، سليمًا أومشوهًا .
التوقعات
ولأن توقعاتنا قائمة علي مقدار المتوافر لدينا من الخبرة والفطنة معًا .. نجدها دائمًا تركيبات متطورة لأحداث ماضية نعتقد حصولها وإحاطتنا بها .. يطورها الفكر والعاطفة في تصورهما للمستقبل الذي ننظر إليه ونرتقبه . وكثيرًا ما لا يجيء هذا المستقبل أويجيء بما يحقق ما تصورناه وحسبناه، لأن فهمنا بالغًا ما بلغ إنما يحاول أن يعمل في الغموض الكثيف الذي تغرق فيه حياة الأحياء . وهولا يكف قط عن هذه المحاولة الدائمة، كأنها من طبيعته وبنيته .. التي تميز الآدمي عن سواه بعالم خاص به قائم علي الفهم ومحاولة الفهم التي لا تفتر ولا تنقطع خلال طبقات من الخفاء لا تتناهي .
إمعان التأمل
ووراء كل فهم حقيقي وقفة من صاحبه يشعر فيها بالحاجة إلي شيء من التأمل ترد عليه فيها أسئلة صريحة أوضمنية وإجابات محتملة بعيدة وقريبة .. وقد يحاول تعجل الفهم فيخطئ، وهذا كثير الحدوث .. أويتعجل اليأس من الفهم فيكف عن المحاولة زمنا يقصر أويطول، وهنا يعيش بما معه ولا يريد أن يصدق أن الذي معه قد اهتز، وأن اهتزازه لا يمكن تجاهله أو نسيانه مهما أغضي عنه وظن أنه امحي وزال .. وهذا حال معظم الناس بالنسبة لمعظم عقائدهم ومصدقاتهم، وإليه يرجع ما يلاحظ من سطحية الإيمان بصفة عامة وعجزه عن السيطرة علي سلوك غالبية الناس والتعويض عن ذلك بالمبالغات في التعظيم والتقديس والإكثار من الصيغ القديمة والمأثورات والتنافس في تلاوتها وذكرها . والإغفال المتعمد العنيد لكل فارق بين هذا الزمان وأهله وبين الأزمنة التي تعزي إليها تلك الآثار والأقوال المأثورة عنهم .. هذا الإغفال تهرب من الفهم يمثل عادة قوية مستحكمة، سائدة من قرون انتشرت فيها سطحية المعتقدات ومعها ما تجمد وتيبس من عقول أجيال الآدميين وتَحَجَّر من آمالهم الرفيعة النبيلة الأصل، فضلا عن تراكم الشوق لبساطة وراحة ما كان يعتقده الآباء والأجداد .
الرغبة في طلب المزيد
والرغبة في المزيد من الفهم والرغبة عن الفهم وتفاديه، موجودتان في جبلتنا كوجود النشاط والخمول والإقدام والإحجام .. يتبادلان مركزي القوة والضعف في حياة كل منا حسب استعداداته ومبلغ مقاومته وإذعانه للظروف والأحوال، ويشتركان في تنويع الأفراد والمجاميع والأجيال إلي غير حد تقريبًا .
ويبدوأن أي إنسان مهما بلغ في أي زمن من سعة الفهم وعمقه، فإن فهمه جزئي ومحدود بحدود خلقته وحدود استعداداته وظروفه غير القابلة للتغيير بإرادته وعزيمته وأشواقه .
ونحن قد نساعد وعينا وحواسنا بأدوات وأجهزة تقرب البعيد أوتبعد القريب وتكبر الصغير أوالعكس، وتظهر الخفي وتخفي الظاهر، وتحرك الساكن أوتسكّن المتحرك .. ولكن لا يسعنا فيما يبدو الاستغناء عن الحواس في وعينا أوأحلامنا وفي حياتنا بصفة كلية أوفي معظم أحوالنا وأوقاتنا .. ولا في وسعنا أن نستغني عن استخدام الوعي أوالتعرض للشعور والإحساس أوالتذكر أوتداعي الأفكار والمعاني .. وذلك كله يقوم دون أن نشعر علي تحديد الموضوع الذي نعيه أونشعر به أونتذكره أونستدعيه .. وحصره وعزله عن كل ما يصحبه ويرتبط به في الوجود العقلي والفعلي .
الإحساس بالاشتراك
وكل مَنْ يعرف من البشر نسبيا بعض ما شاء الخالق أن يركبه فيه من عديد الأجزاء والغدد والأوعية والسوائل والعلقات وألوف الألوف من الخلايا والخمائر والإنزيمات والمضادات والمنبهات والحاملات، وهوما يكاد يطابقه في الثدييات وما يشبهه من حيث الأساسيات في الطيور والأسماك وسكان الماء والحشرات .. من يعرف ذلك يدرك أن أي آدمي لا يستطيع تأمُل ذاته بشيء من الرمزّية والهدوء دون أن يحس بهذا القدر الكبير من الاشتراك بين الإنسان وبين إخوانه من الحيوان، ودون أن يشعر بما لهذه القرابة القريبة من نتائج جدية باقية مسيطرة علي عقل الآدمي ونفسه وعواطفه وتصوراته وأحلامه وأوهامه ومخاوفه .. وأن ذلك يستوجب في فهم حياة الإنسان أخذ هذا الجانب الحيواني أوالجسدي مأخذ الجد في الاعتبار .. إذ لا يمكن مصادرته وإلغاؤه أوازدراؤه واحتقاره وتجاهله . هذا الجزء الحيواني الجسدي أحسه ويحسه كل آدمي كل ساعة، ولم يخل من الإحساس به والانصياع له وتلبية حاجاته آدمي حيّ في أي زمان أومكان .. ولعل هذا هوالفارق الأساسي الذي يجب أن يحسب حسابه في فهم الكائن الحيّ عندما يفكر ويبحث ويتأمل في المعتقدات والمصدقات والمبادئ والقواعد والأصول والأحكام .. فهذه ينبغي ألا تصير إلي ما صارت إليه من زمن مديد بين أهل الملل والعقائد أوأهل المبادئ والمثل وسيلة خفيه لكنها فعالة لإحداث انفصام في ذاتية الآدمي الذي ينتمي إليها بحيث يحمل ذاتية جسدية آدمية في حياته اليومية المألوفة وذاتية أخري منفصلة تمامًا ليست جسدية ولا آدمية البتة متصورة ومعتقدة اعتقادًا عنيفًا يحجب صاحبها عن فهم واقعه وحقيقة دنياه وعقباه ويدفعه دفعًا لا يتوقف في اتجاه ملائكي أوإلهي ليس له صلة بالآدمية !!
الانفصام ومنابعه !
ولغة المعتقدات والمبادئ والأصول الأولي، تساعد بشدة في تحديدها وعمومها وإيجازها ورنينها تساعد علي التمكين لهذا الانفصام خاصة بين سواد الناس وهم منصرفون عادة بكل قواهم إلي كسب الرزق ومواجهة عبء الحياة والأسرة .. والقدر القليل الباقي لهم من وقتهم يستحسن عند غالبيتهم أن يكرس لغرض مفروض أنه سامٍ جليل لا بأس أن ينسي فيه الإنسان أن له جسدًا وآدميةً، وأن يصبح بالتلاوة والذكر والصلاة والدعاء يصبح لدقائق مع القديسين والملائكة الأطهار الأبرار وربما ضمنهم !!
وليس يسيرًا علي البشر بعامة أن يتخلصوا من هذه الانفصامية التي تؤدي بالحتم إلي السطحية وقشرية العقائد والمذاهب والمبادئ وتزايد الميل المبالغ فيه إلي المظاهر والمواكب والمناظر وتزيين الأمكنة والمزارات والأضرحة وتضخيم المعابد وما يجري فيها من المواسم والأعياد والعظات والخطب والنشرات والمأثورات .. وما إلي ذلك من وسائل الإعلان والدعاية للفت الأنظار واجتذاب الأرجل والإصرار علي ذلك وموالاته بحكم التخصص والاعتياد رغم اتضاح قلة جدواه . هذا لأننا لا نجد في سواه ما هوأجدي منه .. إذ قلّ فيما يبدواقتدارنا علي الوصول إلي ما هولازم لاستدامة الفهم وتنميته وتقويته، وهورهبة النفس المستقيمة والإخلاص التام الذي لا يبالي بالمصالح والمنافع الشخصية .. وهذا اللازم نادر في عصرنا والعصور القريبة من عصرنا وربما يكون الناس قد استغنوا عنه بمن يصفونهم بالأذكياء أوأصحاب الألمعية أوالنجابة أوالنوابغ أوالعباقرة .. وهذه كلها أحكام تصدر من العاديين ويتناقلها وينشرها العاديون بالمحاكاة والعدوي، لأن العاديين لا يستغنون عن وجود المشهورين بينهم ولا عن إحاطتهم بشيء يشبه التقديس والعبادة . وربما لمسنا في هذا جانبًا من جماهيرية زماننا واعتماده علي ما تختاره الجماهير مهما يشوب اختيارها من أوهام وأحلام وانخداع انصياع !
الفهم الحقيقي
ربما كان الفهم البشري الحقيقي أعمق مما تحكيه هذه الأوصاف بكثير وأهدي مما يعرفه النوابغ والمشهورون والأعلام .. ربما كان هذا الفهم دائما مصاحبا لاستعداد داخلي واستقامة داخلية لا توجد إلاّ في قلّة موهوبة من الآدميين، ولا يصل عادة إليها اختيار الجماهير بنفوذها في عصرنا .. لأن الجماهير لم تعد تذعن للعقلاء أوتبحث عنهم أوتتلقي منهم المشورة والرأي .. أوحتي تتحري وجودهم مجرد تحر كما نفعل بالنسبة للآثار القديمة والغرائب وعجائب الحيوان والنبات . ولذلك بدا لي كما بدا ويبدولك أن علاج أمورنا وردها إلي صوابها وصحيحها، أمنية تستوجب اليقظة والانتباه والتفطن، وبذل غاية الجهد لمقاومة الآفات بالفهم والفطنة والتوقع .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.