السيسي يستعرض آليات تعظيم الاستفادة من أصول هيئة الأوقاف المصرية    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    البورصة المصرية تربح 12.1 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    معهد تكنولوجيا المعلومات يشهد تخرج 1800 متدرب من برنامج معسكر التدريب الصيفى    الرئيس السيسي يبحث إنشاء جامعة كورية في مصر    موعد صرف معاشات نوفمبر 2025 بالزيادة الجديدة.. تفاصيل كاملة لجميع الفئات    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الصومالي تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    بعد تهنئة إسرائيل له.. من هو الرئيس البوليفي الجديد رودريغو باز؟    وزير الرياضة يقرر إيقاف مجلس إدارة النادي الإسماعيلي وإحالته للنيابة العامة    أشرف نصار يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي لضم عمرو الجزار    وزارة «التعليم» تعدل نظام الدراسة والتقييم لمادة التربية الدينية بجميع المراحل التعليمية    وزارة الداخلية تكشف ملابسات تصوير سيدة دون علمها بالقاهرة    بين المجد والرحيل الصامت.. محطات في مسيرة الفنان الراحل محمد فوزي    محافظ الجيزة يفتتح مركز "خوفو" للمؤتمرات أمام المتحف الكبير    قصة وفاة محامٍ ونجله.. مرض الابن فتوفي الأب كمدًا ولحق به الابن    بحوزتهم اسلحة ومواد مخدرة بقيمة 90 مليون جنيه.. مصرع مسجلين خطر اثناء مداهمة امنية بقنا    مدبولي: الحكومة تعمل على مواصلة تكثيف الجهود لتعزيز قدرات الدولة في مجال زيادة الاستثمارات في مراكز البيانات    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    كلوب يفتح الباب أمام عودة محتملة إلى ليفربول    طارق العشري: زعلت على نفسي بعد رحيلي من فاركو    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    الفجر في الإسكندرية 5.39.. جدول مواقيت الصلاة في محافظات الجمهورية غدًا الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    وزير الخارجية: نقدر جهود الدكتور مجدي يعقوب في تسخير العلم والخبرة لخدمة الفئات الأكثر احتياجا داخل مصر وخارجها    اغلاق مزلقان التوفيقية في سمالوط بالمنيا لمدة يومين للصيانة    تشديد أمني في مطار بفلوريدا بعد رصد برج مشبوه قرب طائرة ترامب    أسعار زيت الطعام على بطاقات التموين بعد إضافة عبوة جديدة (تفاصيل)    بعد غد.. علي الحجار يحيي حفلًا غنائيًا على مسرح النافورة بالأوبرا    احمي نفسك بهذه الخطوات.. لماذا يقع برج السرطان ضحية للتلاعب؟    ملتقى شباب المخرجين.. أبطال «بين ثنايا الحقيقة» عن العرض: رؤية جديدة للنص الكلاسيكي    وزير الخارجية ومحافظ أسوان يزوران مركز مجدي يعقوب برفقة وفود منتدى أسوان للسلام    وزير الصحة يترأس الاجتماع الدوري للجنة التنسيقية لمنظومة التأمين الصحي الشامل    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    فوزي لقجع يهدي لقب مونديال الشباب للملك محمد السادس    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    باكستان: الهدف الأساسى من اتفاق وقف إطلاق النار مع أفغانستان القضاء على الإرهاب    جامعة قناة السويس تستعرض تشكيل لجنة المكتبات    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    رمز لهوية الأمة.. المتحف المصري الكبير يوحد وجدان المصريين    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    مواقف محرجة على السجادة الحمراء.. حين تتحول الأناقة إلى لحظة لا تُنسى    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الوضع كارثي والاحتلال يعرقل إدخال المساعدات لغزة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة بخط الكيلو 21 بالإسكندرية.. توجيه المحافظ للنقل العام لتيسير حركة المرور أوقات الذروة    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-10-2025 في محافظة الأقصر    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في الدوري.. والقنوات الناقلة    سعر الأرز الأبيض والشعير للمستهلك اليوم الإثنين 20اكتوبر 2025 فى المنيا    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    ضبط 3 أشخاص بالمنيا تخصصوا في النصب على أصحاب البطاقات الائتمانية    مجدي يعقوب: مصر بقيادة الرئيس السيسي تظهر للعالم معنى السلام    دار الإفتاء توضح حكم تصفح الهاتف أثناء خطبة الجمعة    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفهم والخبرة والفطنة والتوقع
مدارات
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 06 - 2018

أصل الفهم معرفة حقيقة ما حدث بعد حدوثه والانتفاع بذلك في بناء الخبرة، أما فهم ما لم يحدث فلا يكون إلا جزئيًا ومجازًا .. أي مقاربة ما توقعنا حدوثه لما سوف يحدث بالفعل وتوقعنا حدوثه نتيجة الخبرة والفطنة .. وهذه المقاربة تختلف من حيث درجة صحة التوقع وعدم صحته باختلاف مقدار سلامة الخبرة ومبلغ وحسن الفطنة .
ولذلك تختلف توقعات الآدميين في كل عصر وصقع لما سيحدث، سواء بالنسبة لشئون كل منهم الخاصة أولمحيطهم وعالمهم .. وذلك بالرغم من وجود قدر عام من التشابه يرجع لتشابه الاستعدادات والعواطف في النوع كله .. وطبيعي أن يكون معظم فهمنا هوهذا الفهم الجزئي المبني علي التوقع، لأن حياة الآدمي امتداد في مستقبل أغلبه مجهول بالنسبة للمرء ينتهي حتما وتبقي آثاره أوبعضها لأمد يطول أويقصر بقاءً في ذاكرة أحياء جدد .. حاصلاً أومحتمل الحصول، سليمًا أومشوهًا .
التوقعات
ولأن توقعاتنا قائمة علي مقدار المتوافر لدينا من الخبرة والفطنة معًا .. نجدها دائمًا تركيبات متطورة لأحداث ماضية نعتقد حصولها وإحاطتنا بها .. يطورها الفكر والعاطفة في تصورهما للمستقبل الذي ننظر إليه ونرتقبه . وكثيرًا ما لا يجيء هذا المستقبل أويجيء بما يحقق ما تصورناه وحسبناه، لأن فهمنا بالغًا ما بلغ إنما يحاول أن يعمل في الغموض الكثيف الذي تغرق فيه حياة الأحياء . وهولا يكف قط عن هذه المحاولة الدائمة، كأنها من طبيعته وبنيته .. التي تميز الآدمي عن سواه بعالم خاص به قائم علي الفهم ومحاولة الفهم التي لا تفتر ولا تنقطع خلال طبقات من الخفاء لا تتناهي .
إمعان التأمل
ووراء كل فهم حقيقي وقفة من صاحبه يشعر فيها بالحاجة إلي شيء من التأمل ترد عليه فيها أسئلة صريحة أوضمنية وإجابات محتملة بعيدة وقريبة .. وقد يحاول تعجل الفهم فيخطئ، وهذا كثير الحدوث .. أويتعجل اليأس من الفهم فيكف عن المحاولة زمنا يقصر أويطول، وهنا يعيش بما معه ولا يريد أن يصدق أن الذي معه قد اهتز، وأن اهتزازه لا يمكن تجاهله أو نسيانه مهما أغضي عنه وظن أنه امحي وزال .. وهذا حال معظم الناس بالنسبة لمعظم عقائدهم ومصدقاتهم، وإليه يرجع ما يلاحظ من سطحية الإيمان بصفة عامة وعجزه عن السيطرة علي سلوك غالبية الناس والتعويض عن ذلك بالمبالغات في التعظيم والتقديس والإكثار من الصيغ القديمة والمأثورات والتنافس في تلاوتها وذكرها . والإغفال المتعمد العنيد لكل فارق بين هذا الزمان وأهله وبين الأزمنة التي تعزي إليها تلك الآثار والأقوال المأثورة عنهم .. هذا الإغفال تهرب من الفهم يمثل عادة قوية مستحكمة، سائدة من قرون انتشرت فيها سطحية المعتقدات ومعها ما تجمد وتيبس من عقول أجيال الآدميين وتَحَجَّر من آمالهم الرفيعة النبيلة الأصل، فضلا عن تراكم الشوق لبساطة وراحة ما كان يعتقده الآباء والأجداد .
الرغبة في طلب المزيد
والرغبة في المزيد من الفهم والرغبة عن الفهم وتفاديه، موجودتان في جبلتنا كوجود النشاط والخمول والإقدام والإحجام .. يتبادلان مركزي القوة والضعف في حياة كل منا حسب استعداداته ومبلغ مقاومته وإذعانه للظروف والأحوال، ويشتركان في تنويع الأفراد والمجاميع والأجيال إلي غير حد تقريبًا .
ويبدوأن أي إنسان مهما بلغ في أي زمن من سعة الفهم وعمقه، فإن فهمه جزئي ومحدود بحدود خلقته وحدود استعداداته وظروفه غير القابلة للتغيير بإرادته وعزيمته وأشواقه .
ونحن قد نساعد وعينا وحواسنا بأدوات وأجهزة تقرب البعيد أوتبعد القريب وتكبر الصغير أوالعكس، وتظهر الخفي وتخفي الظاهر، وتحرك الساكن أوتسكّن المتحرك .. ولكن لا يسعنا فيما يبدو الاستغناء عن الحواس في وعينا أوأحلامنا وفي حياتنا بصفة كلية أوفي معظم أحوالنا وأوقاتنا .. ولا في وسعنا أن نستغني عن استخدام الوعي أوالتعرض للشعور والإحساس أوالتذكر أوتداعي الأفكار والمعاني .. وذلك كله يقوم دون أن نشعر علي تحديد الموضوع الذي نعيه أونشعر به أونتذكره أونستدعيه .. وحصره وعزله عن كل ما يصحبه ويرتبط به في الوجود العقلي والفعلي .
الإحساس بالاشتراك
وكل مَنْ يعرف من البشر نسبيا بعض ما شاء الخالق أن يركبه فيه من عديد الأجزاء والغدد والأوعية والسوائل والعلقات وألوف الألوف من الخلايا والخمائر والإنزيمات والمضادات والمنبهات والحاملات، وهوما يكاد يطابقه في الثدييات وما يشبهه من حيث الأساسيات في الطيور والأسماك وسكان الماء والحشرات .. من يعرف ذلك يدرك أن أي آدمي لا يستطيع تأمُل ذاته بشيء من الرمزّية والهدوء دون أن يحس بهذا القدر الكبير من الاشتراك بين الإنسان وبين إخوانه من الحيوان، ودون أن يشعر بما لهذه القرابة القريبة من نتائج جدية باقية مسيطرة علي عقل الآدمي ونفسه وعواطفه وتصوراته وأحلامه وأوهامه ومخاوفه .. وأن ذلك يستوجب في فهم حياة الإنسان أخذ هذا الجانب الحيواني أوالجسدي مأخذ الجد في الاعتبار .. إذ لا يمكن مصادرته وإلغاؤه أوازدراؤه واحتقاره وتجاهله . هذا الجزء الحيواني الجسدي أحسه ويحسه كل آدمي كل ساعة، ولم يخل من الإحساس به والانصياع له وتلبية حاجاته آدمي حيّ في أي زمان أومكان .. ولعل هذا هوالفارق الأساسي الذي يجب أن يحسب حسابه في فهم الكائن الحيّ عندما يفكر ويبحث ويتأمل في المعتقدات والمصدقات والمبادئ والقواعد والأصول والأحكام .. فهذه ينبغي ألا تصير إلي ما صارت إليه من زمن مديد بين أهل الملل والعقائد أوأهل المبادئ والمثل وسيلة خفيه لكنها فعالة لإحداث انفصام في ذاتية الآدمي الذي ينتمي إليها بحيث يحمل ذاتية جسدية آدمية في حياته اليومية المألوفة وذاتية أخري منفصلة تمامًا ليست جسدية ولا آدمية البتة متصورة ومعتقدة اعتقادًا عنيفًا يحجب صاحبها عن فهم واقعه وحقيقة دنياه وعقباه ويدفعه دفعًا لا يتوقف في اتجاه ملائكي أوإلهي ليس له صلة بالآدمية !!
الانفصام ومنابعه !
ولغة المعتقدات والمبادئ والأصول الأولي، تساعد بشدة في تحديدها وعمومها وإيجازها ورنينها تساعد علي التمكين لهذا الانفصام خاصة بين سواد الناس وهم منصرفون عادة بكل قواهم إلي كسب الرزق ومواجهة عبء الحياة والأسرة .. والقدر القليل الباقي لهم من وقتهم يستحسن عند غالبيتهم أن يكرس لغرض مفروض أنه سامٍ جليل لا بأس أن ينسي فيه الإنسان أن له جسدًا وآدميةً، وأن يصبح بالتلاوة والذكر والصلاة والدعاء يصبح لدقائق مع القديسين والملائكة الأطهار الأبرار وربما ضمنهم !!
وليس يسيرًا علي البشر بعامة أن يتخلصوا من هذه الانفصامية التي تؤدي بالحتم إلي السطحية وقشرية العقائد والمذاهب والمبادئ وتزايد الميل المبالغ فيه إلي المظاهر والمواكب والمناظر وتزيين الأمكنة والمزارات والأضرحة وتضخيم المعابد وما يجري فيها من المواسم والأعياد والعظات والخطب والنشرات والمأثورات .. وما إلي ذلك من وسائل الإعلان والدعاية للفت الأنظار واجتذاب الأرجل والإصرار علي ذلك وموالاته بحكم التخصص والاعتياد رغم اتضاح قلة جدواه . هذا لأننا لا نجد في سواه ما هوأجدي منه .. إذ قلّ فيما يبدواقتدارنا علي الوصول إلي ما هولازم لاستدامة الفهم وتنميته وتقويته، وهورهبة النفس المستقيمة والإخلاص التام الذي لا يبالي بالمصالح والمنافع الشخصية .. وهذا اللازم نادر في عصرنا والعصور القريبة من عصرنا وربما يكون الناس قد استغنوا عنه بمن يصفونهم بالأذكياء أوأصحاب الألمعية أوالنجابة أوالنوابغ أوالعباقرة .. وهذه كلها أحكام تصدر من العاديين ويتناقلها وينشرها العاديون بالمحاكاة والعدوي، لأن العاديين لا يستغنون عن وجود المشهورين بينهم ولا عن إحاطتهم بشيء يشبه التقديس والعبادة . وربما لمسنا في هذا جانبًا من جماهيرية زماننا واعتماده علي ما تختاره الجماهير مهما يشوب اختيارها من أوهام وأحلام وانخداع انصياع !
الفهم الحقيقي
ربما كان الفهم البشري الحقيقي أعمق مما تحكيه هذه الأوصاف بكثير وأهدي مما يعرفه النوابغ والمشهورون والأعلام .. ربما كان هذا الفهم دائما مصاحبا لاستعداد داخلي واستقامة داخلية لا توجد إلاّ في قلّة موهوبة من الآدميين، ولا يصل عادة إليها اختيار الجماهير بنفوذها في عصرنا .. لأن الجماهير لم تعد تذعن للعقلاء أوتبحث عنهم أوتتلقي منهم المشورة والرأي .. أوحتي تتحري وجودهم مجرد تحر كما نفعل بالنسبة للآثار القديمة والغرائب وعجائب الحيوان والنبات . ولذلك بدا لي كما بدا ويبدولك أن علاج أمورنا وردها إلي صوابها وصحيحها، أمنية تستوجب اليقظة والانتباه والتفطن، وبذل غاية الجهد لمقاومة الآفات بالفهم والفطنة والتوقع .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.