نقترب من بدء سريان الموازنة العامة الجديدة التي قالت وزارة المالية إنها تستهدف من خلالها خفض عجز الموازنة من 9.8% بالموازنة الجارية إلي 8.4%، وتحقيق فائض أولي 0.2%، لكنها أمور تبدومهددة مع تصاعد الأزمة واشتعال الأسعار، في ضوء أن سعر البترول بالموازنة 67 دولارا للبرميل، وسعره الآن 77 دولارا، وكل دولار يكلف الموازنة بين 2 و3.5 مليار جنيه، حسب تكلفة النقل ونسب ومعاملات التكرير، وهوما يؤثر سلبا علي فرص الفقراء ومحدودي الدخل في الحصول علي مزيد من الدعم المباشر، ومزيد من تمتع بعض فئات الأغنياء بالدعم علي حساب من يستحقون الدعم. ارتباط ملف الوقود بمنظومة دولية يمنع الحكومة من السيطرة علي المؤشرات والأرقام قفزة السعر العالمية الأخيرة أضافت عبئاً علي الموازنة الجديدة يتجاوز 25 مليار جنيه في دراسة لخبير البترول العالمي د.جمال القليوبي: في البداية سنطرح سؤالا يسهل من عملية شرح مستجدات ما يحدث علي الساحة حاليا فيما يتعلق بعملية دعم المنتجات البترولية، وهوكيف يؤثر ارتفاع سعر البترول عالميا علي فاتورة دعم المحروقات؟..وللاجابة علي هذا السؤال نقول إن الدولة خصصت في موازنة العام المالي الحالي »2017-2018» 110 مليارات و148 مليون جنيه لدعم الوقود والمنتجات البترولية، وفق مربوط سعر عالمي 57 دولارا للبرميل، ومن المرجح أن تصل هذه الفاتورة إلي 130 مليار جنيه مع نهاية السنة المالية في آخر شهر يونيوالجاري، تقابلها أكثر من 100 مليار جنيه للفرص البديلة من المنتج المحلي، ما يعني فاتورة إجمالية تتخطي 220 مليار جنيه. لكن تكمن الأزمة الكبري في الموازنة الجديدة 2018/ 2019 فقد خصصت الدولة لدعم الوقود 89 مليارا و85 مليون جنيه، بتقدير 67 دولارا للبرميل، بحسب البيان المالي الذي عرضه وزير المالية علي مجلس النواب في إبريل الماضي، تقابلها أكثر من 160 مليار جنيه تكلفة الفرص البديلة، بفاتورة إجمالية تتجاوز 255 مليار جنيه، ما يعني أنه في الوقت الذي ارتفع فيه سعر البترول بالموازنة 10 دولارات للبرميل، وانخفضت فيه قيمة الدعم بالموازنة الجديدة 21 مليار جنيه تقريبا، قياسا علي الموازنة الجارية، ارتفعت قيمة ما تتحمله الدولة 60 مليار جنيه تقريبا عن السابق، وبالتالي فإن قفزة السعر العالمية الأخيرة أضافت عبئا علي الموازنة يتجاوز 25 مليار جنيه، أي أكبر من قيمة تراجع الدعم الظاهرية في مشروع الموازنة. مما سبق يتضح لنا أن خطوة تحريك أسعار الوقود تستهدف بالأساس إصلاح خلل هيكلي في منظومة الدعم، والحفاظ علي النجاحات المتحققة في الهبوط بمؤشر عجز الموازنة العامة، ولكن ارتباط ملف الوقود بمنظومة إنتاج وتجارة وتسعير دولية، ربما لا يمنح الحكومة فرصة كاملة للسيطرة علي المؤشرات والأرقام التي تتضمنها الموازنة بشأن تكلفة تدبير المشتقات البترولية، ويظل الأمر مرهونا بالتوقعات والقراءة الاحتمالية لحالة سوق النفط عالميا... بحسب دراسة حديثة عن تكلفة تدبير الوقود، فإن الدولة تتحمل 255 مليارا و815 مليون جنيه تكلفة سد العجز في احتياجات الوقود عبر الاستيراد، عند مستوي 77 دولارا للبرميل، بجانب خسائر الفرص البديلة للإنتاج المحلي، ما يعني أن نصيب كل مواطن من نزيف الوقود يتجاوز 2550 جنيها سنويا، وبالتالي تذهب حصة كبيرة من دعم الوقود لقطاع من شرائح الطبقة الوسطي العليا ورجال الأعمال والتجار والمصانع والمشروعات التجارية، علي عكس مخصصات السلع التموينية التي تذهب للفقراء ومحدودي الدخل بشكل مباشر، وهوما يجعل تقليل حصة المواطن في دعم المحروقات لصالح زيادة حصته في دعم التموين، أمرا أكثر إفادة، باعتباره تحركا مباشرا نحوتحسين حياة قطاعات واسعة من الفقراء. وأشارت بعض التقديرات والمؤشرات شبه الرسمية إلي أن أكثر من 40% من المخصصات الموجهة لدعم الوقود والمحروقات تصل مباشرة لغير المستحقين، سواء عبر سيارات الأغنياء، أوسيارات المصانع، أوالطائرات الخاصة، أوأسطوانات البوتاجاز للمطاعم والمحلات، والغاز والمازوت للقطاع الصناعي، أوالكهرباء المستهلكة بمنازل الطبقات الاجتماعية العليا والمشروعات الصناعية والتجارية، ما يعني أن الأغنياء حصلوا علي 56 مليار جنيه من مخصصات دعم الوقود في العام المالي الجاري، ومن المنتظر أن يحصلوا علي 35 مليار جنيه من ال89 مليارا المخصصة في موازنة 2018/ 2019، والرقم مرشح للزيادة مع تصاعد مخصصات الدعم حال ارتفاع أسعار البترول عالميا. للأسف لا يلحظ المستهلك النهائي انعكاسات الأمر علي اقتصاديات قطاع البترول، وعلي الموازنة العامةلأنه يهتم بالعائد الشخصي، أي الحصول علي الفائدة الأكبر بالتكلفة الأقل، بينما في الحقيقة يتحمل المواطن في النهاية تكلفة هذه الاختلالات الهيكلية، مع تنامي عجز الموازنة وتصاعد مؤشرات الدين العام، أي أن استمرار الخلل القائم يبدوظاهريا أن المواطن الفقير يحصل علي فائدة منه، بينما يتسرب 40% من دعم الطاقة للأغنياء. وللتوضيح أكثر علينا أن نقترب من بعض الأرقام، أبرزها أننا نستهلك ما يقرب من 4.5 مليار لتر بنزين 92 بقيمة إجمالية 48.6 مليار جنيه »عند 75 دولار لبرميل خام برنت حاليا»، و5.3 مليار لتر بنزين 80 بقيمة 80.5 مليار جنيه، و15.5 مليار لتر سولار بقيمة 174.5 مليار جنيه، و8.06 مليون طن مازوت بقيمة 66 مليار جنيه، و330 مليون أسطوانة بوتاجاز بقيمة 58.7 مليار جنيه، أي أن إجمالي الاستهلاك يقترب من 430 مليار جنيه، إذا خصمنا منها قيمة الإنتاج المحلي البالغ 240 مليون برميل سنويا، أي 162 مليار جنيه تقريبا، نكون أمام عجز يتجاوز ال100 مليار دولار، هذا بتجاهل أن نصف الإنتاج المحلي يخص الشريك الأجنبي وتشتريه الحكومة بالسعر العالمي، وأن ال240 مليون برميل تتكلف 2.4 مليار دولار تكرير، بجانب تكلفة النقل والتخزين والتوزيع واللوجستيات الأخري.