لاشك ان ثورة 25 يناير أعادت صياغة مستقبل مصر لكن في غمرة الانشغال بانقاذ المستقبل غفل البعض عن أهمية انقاذ الماضي . هذه القضية أثارها عالم المصريات كنت ويكس في مقاله بالعدد الأخير من مجلة النيوزويك الامريكية . فبالتوازي مع الايادي التي كانت تزرع امل جديد و تجتث جذور الفساد من الاراضي المصرية كانت هناك أياد أخري خفية تعبث بماضي مصر العريق وتسلبها أعرق ثرواتها وأحد أهم الروافد التي يقوم عليها اقتصادها "آثارها" . حيث سرق من المتحف المصري وحده أكثر من 54 قطعة استعيد منها 21 قطعة فقط احداها تمثال خشبي للملك توت عنخ امون وتمثال واقف للإله أوزيريس بطول 37.5 سم وآخر للإله حرامواقراط بطول18 سم وآخر للإله أوزيرس بطول24 سم وتمثال مطعم بالذهب الخالص للإله حرامواقراط بطول18 سم . هذا بخلاف ما يزيد عن 1000 قطعة أثرية سرقت من عموم مصر ، الي جانب التعدي علي 25 فدانا أثرييا في سقارة وميت رهينة .رسمياً تضم مصر 5000 موقع أثري . لكن الخبراء يؤكدون ان العدد يفوق ذلك بكثير حيث لا تكاد تفتقد الاثار علي أي شبر من الاراضي المصرية فهي في كل مكان تحت الشوارع والعمارات الحديثة و داخل القري وحتي في قاع البحار . وفي غمار ما تعرضت له البلاد من فوضي و فراغ أمني كان من الصعب تأمين وحراسة هذا الكم الضخم من الآثار ، حتي مع وجود اللجان الشعبية المتطوعة . وهكذا تعرضت مصر ، وربما لا تزال ، لأكبر عمليات نهب لآثارها في تاريخها الحديث . رغم ذلك قد تكون السرقة و النهب أقل المخاطر التي تتعرض لها الآثار المصرية . فهناك مخاطر أكبر تحتاج للانتباه منها التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجة الحرارة و الرطوبة ، تلوث الهواء وارتفاع منسوب المياه . هذا بخلاف المد الصناعي و الزراعي والسكني الذي يأتي علي حساب المناطق الاثرية . وعلي الرغم من وجود المجلس الاعلي للآثار المعني برعاية وحماية المواقع الاثرية في مصر إلا أنه هو نفسه يعاني من مشاكل، فأكثر من ثلثي العاملين فيه يفتقرون للتدريب ويعانون من ضعف حاد في أجورهم . هذا علاوة علي ما يعانيه المجلس نفسه من نقص في الموارد المالية علي الرغم من أن سياحة الآثار تدر دخلاً كبيراً علي البلاد و تعد الرافد الثاني للدخل القومي بعد قناة السويس . لكن غالبية هذه الأموال تدخل خزينة الدولة وتتهافت عليها القطاعات الأخري ، دون ان يستفيد منها المجلس الاعلي للسياحة بالقدر الذي يمكنّه من الإضلاع بمهامه. ونتيجة لهذا القصور في الموارد المالية يضطر المجلس الاعلي للسياحة الي تأجيل و ربما التغاضي عن القيام بعمليات الصيانة اللازمة للحفاظ علي هذه الأثار . في نفس الوقت فان عدد السياح الذين يجوبون المناطق الاثرية في مصر ، بغض النظر عما يشهده الآن من هبوط ، يتزايد كل عام ، فوادي الملوك علي سبيل المثال الذي كان يشاهده 100 زائر يومياً عام 1970 تزايد العدد الي 8000 زائر في ديسمبر الماضي و تأمل وزارة السياحة ان يصل الي 15 الف زائر يومياً بحلول عام 2015 . هذه الزيادة المطردة مع ما تحمله من انفراجة اقتصادية لها آثار سلبية علي مدي قوة و قدرة المواقع الأثرية في مصر علي تحمل هذا الضغط العددي في ظل غياب تام لأعمال الصيانة والحماية . هذا الي جانب ما تتعرض له بعض هذه المناطق من تعديات ، و بخاصة في الأقصر ، لصالح عمليات التوسيع والتطوير بحجة جذب المزيد من السياح مما يهدد بتحويل أكبر مدينة أثرية علي مستوي العالم الي مجرد منتزه خدمي . ومن أجل حماية الماضي المصري العريق اتفق غالبية علماء الآثار المصرية علي عدة نقاط منها استشارة الوكالات و الخبراء الدوليين حول الخطط طويلة المدي اللازمة لحماية وصيانة الاثار ، تدريب العاملين بالآثار ، توفير حماية أكبر للمتاحف والمواقع الاثرية ، زيادة المخصصات المالية الموجهة لصيانة وتوثيق الآثار ، هذا بخلاف التصدي للطموحات التجارية والسياسية والزحف السكني الذي يهدد خريطة المناطق الاثرية . وبهذا تكون مصر قد انقذت ماضيها وحاضرها و مستقبلها .