في صدمة غير متوقعة غادرنا الأخ والصديق الحبيب الناقد الفني الكبير مجدي عبد العزيز من دار الفناء إلي دار البقاء. هذا الإنسان الراقي المثقف الواعي الملم بكل أنواع الثقافة والفنون، والذي تخرج في قسم الدراما والنقد بأكاديمية الفنون، الزاهد عن الأضواء. والواثق من قدراته، فهوالمبدع في مجاله، الصادق الصدوق، الخل الوفي، الشهم النبيل، في زمن عز فيه الأوفياء، وشح فيه النبلاء. علي خلاف طبيعته الحنونة، رحل مجدي عبد العزيز فجأة ودون سابق إنذار، وترك لنا الذكري الجميلة والعلم النافع. لن نطالع مجددآ عموده الشهير» صباح السبت» في جريدة أخبار اليوم الغراء التي كان يذوب فيها عشقآ،وأفني فيها عمره، وكأنه لم يحتمل مرارة الحياة بعد فراق الأحباب. كانت آخر مقالاته يوم السبت الماضي بعنوان» متولي وأبوشادي وفراق الأحباب»،ساردآ ما أصابه من حزن شديد علي فراق الأحباب الذين رحلوا عن عالمنا تباعآ خلال السنوات الخمس الماضية، والذين كانوا يمثلون له الزملاء الأعزاء في مشواره الصحفي وكان آخرهم الناقد الكبير علي أبوشادي والفنان الكبير محمد متولي رفيقا رحلة الانتصارات والانكسارات في صدر الشباب علي حد وصفه. يبدو أن قلب مجدي المرهف وحسه الصادق لم يحتمل آلام الفراق، وهكذا كل أحبابك يا مجدي لا يحتملون فراقك ولن يسدلوا ستائر النسيان علي ذكراك الجميلة، وستظل دائما في قلوب محبيك. معرفتي بالأستاذ مجدي عبد العزيز تمتد لأكثر من أربعين عامآ لم نختلف خلالها مرة واحدة منذ أن التحقنا سويآ كجنود في قواتنا المسلحة لأداء واجب الخدمة العسكرية في إدارة الشئون المعنوية، ثم شغلتنا الحياة كلا في مجاله إلي أن تواصلنا عن قرب مجددآ خلال السنة السوداء التي تقلدت فيها جماعة الإخوان الإرهابية مقاليد الحكم في البلاد، وتوحدت أفكارنا في مقاومة هذا البلاء، وصرنا علي تواصل مستمربشكل يومي إما في لقاءات مباشرة أوعبر الهاتف أوتبادل الرسائل عبر المحمول، وكان حريصا علي متابعة نشاطاتي وإبداء النصح والمشورة، وكنت حريصآ بالمثل علي متابعة خبطاته الصحفية ومقالاته المتميزة في أخبار اليوم من خلال إشرافه علي ملحق الفنون، ومشاركته في تأسيس مجلة أخبار النجوم، وإبداعاته في جريدة البيان الإماراتية من مكتبها بالقاهرة، ومساهماته الثرية في إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية بماسبيروالعريق والذي كان من أشد المدافعين عن هذا الكيان الكبير. حين توليت عمادة كلية الإعلام بجامعة القاهرة كنت حريصآ علي النهل من خبرات الأستاذ مجدي عبد العزيز لفائدة طلاب الكلية في تدريس مقررات النقد الفني والأدبي، وتقييم مشروعات التخرج، والمشاركة في عشرات الندوات والمؤتمرات العلمية والثقافية، وكان دائمآ عند حسن الظن في الالتزام المهني والأخلاقي وعمق المعلومات والعطاء بلا حدود. وتشاركنا في تقييم مشروعات التخرج في العديد من كليات ومعاهد الإعلام وكان مثالآ للرقي والخلق الرفيع. تشاركنا أيضآ في لجنة رصد وتقييم الدعاية الإعلامية لانتخابات مجلس النواب الحالي وكان يتسم دائمآ بدقة الملاحظة وموضوعية التقييم. عاش مجدي عبد العزيز محبآ للجميع ومتسامحا إلي أبعد الحدود، ولم يحمل ضغينة لأحد بشهادة كل من اقترب منه، فهوالناصح الأمين، الوطني الصادق، صاحب الرؤية الثاقبة، والحس المرهف، والتفاني في العمل لآخر لحظة. سوف نفتقد مجدي عبد العزيز، وستكون الحياة صعبة بدونه، فهو نعم الأخ والصديق الوفي، فليست كل المشاعر تحتاج إلي حبيب، فبعض المشاعر تحتاج إلي رفيق لا يخذل، وصديق لا يوجع، وأخ لا ينساك، وإنسان صدوق لا يمل شكواك ومواساتك في همومك، وهكذا كان مجدي عبد العزيز، الصديق الذي فقدناه جسدا، ولكنه يظل حيا في قلوب محبيه، وإنا لله وإنا إليه راجعون .