معارض الكتب مواسم ثقافية تتيح فرصة التطلع إلي الأفكار والقضايا الفكرية، التي نجدها مع المؤلفات الجديدة، والروائيين الجدد، الكتب دوما هي كلمة السر للمعرفة، وهي الضوء الذي يشعل الفتيل الساكن في أعماقنا، وكلما كان الكتاب والكاتب يحملان فكرا جديدا ورؤي حديثة، أعادانا إلي إنسانيتا الحقيقية التي تبعثرت بفعل الأفكار المستهدفة. في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انتهت فاعلياته منذ أيام تاركا خلفه تلالا من الكتب، توقفت أمام مجموعة منها التي ترجمت حديثا، لمجموعة من كبار الروائيين والمفكرين العالميين، وبعض من الروايات العربية التي صدرت مؤخرا،اقتنيت بعضا منها لقراءتها والكتابة عنها بصوت يسمعه قارئ صفحة الكتب والأدب، كي نتعرف معا علي جديد الفكر، بعد ما أصبح الكتاب الجديد غير متاح للجميع بسبب ارتفاع سعره . من بين هذه الكتب » ماوراء الشتاء للروائية العالمية إيزابيل الليندي »، و»الجمال جرح للكاتب الاندونيسي إيكا كورنيان»، وكتاب عن الشاعرة الامريكية المميزة » سلفيا بلاث» ومذكرات نيلسون مانديلا» وكتاب الناقدة وكاتبة السيرة الأسترالية ذات الأصول البريطانية هازل رولي وهي تروي قصة الحب والحياة بين سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر وجها لوجه الذي سيكون بداية في عرض الكتب التي يقرأها العالم من حولنا. لا يمكننا أن نفكر بأحد منهما من دون التفكير في الآخر » سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، بوصفهما مفكرين حرين وملتزمين، كتبا في جميع الأجناس الأدبية : المسرحيات، والروايات، والدراسات الفلسفية وقصص الرحلات والسير الذاتية، والمذكرات، وأدب السيرة والصحافة، وقد شكلت رواية سارتر الأولي» الغثيان » حدثا في عالم الرواية الفرنسية المعاصرة، وغدت مسرحياته العشر حديث الموسم المسرحي في باري » باريس»، وأحدثت دراساته الفلسفية »الوجود والعدم » و» نقد الفكر الديالكتيكي» وهو- فكر المجادلة أوالمحاورة- وغيرها صدمة . إلي جانب بحثية الأدبيين اللذين كرسهما لجان جينيه وجوستاف فلوبير، لكنه ربما سيذكر من خلال سيرته الذاتية » كلمات» هذا الكتاب الذي نال عليه جائزة نوبل، سترتبط وبوفوار دائما بكتابها » الجنس الأخر» وبمذكراتها وبروايتها اللامعة » المندرين» التي استحضرت فيها جوأوربا بع الحرب العالمية الثانية . من واقع هذه الأعمال الأدبية لكلا الأديبين المميزين استطاعت الكاتبة الصحافية هازل أن تنسج متن هذا الكتاب الذي يحمل عنوان» الحياة والحب » بين هذين المفكرين بأسلوب شيق يعتمد علي المناورة بين الجديد والحديث وكل ما كتبه المفكرون من مذكرات أواعترافات حول علاقتهما معا أوبغيرهما، حيث جاء الكتاب بتفاصيل لم تعلن من قبل عندما ربطتهما الكاتبة الصحافية لتصل إلي دلالات في علاقة كل منهما بالاخر، دون مواربة أوأغفال رسالة أوعمل إبداعي لكل منهما. بدأت الكتاب بمجموعة نادرة لصور كل من سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر في مراحل عمرهما المختلفة وبصور نادره يصعب أن تجدها في مكان آخر كصورة دي بوفوار وهي عارية تماما أمام مرآتها، تماما مثل الكتابات التي لم تخف عنهما من خلال سرد سيرة حياتهما . تقول هازل في مقدمة كتابها:» إننا إذ نفكربسارتر وبوفوار يعني أن نفكر بالحرية، يقول سارتر:» الإنسان محكوم بأن يكون حرا» إن فلسفته عن الحرية لم تكن من الناحية النظرية برجا عاجيا، بل كانت ملتصقة بالحياة، وكوجوديين رفضا أي فكرة عن » الطبيعة الإنسانية» وكفيلسوفين تحديا جميع التقاليد الإجتماعية. لا أحد كان يمكنه أن يعلمهما كيف يعيشان حياتهما ولا حتي حياة حبهما، كانا مدركين أنهما يبتكران علاقتهما من خلال تعاونهما .كتبت بوفوار في مذكراتها عن بداية علاقتها بسارتر» إن سارتر أصبح عالمها كله، وبفضله أصبحت أكثر فتنة حتي إنها نسيت نفسها، وكفت عن أن تحيا لمصلحتها الخاصة»، وكان يقول سارتر عنها:» اعتدت أن تكوني مليئة بالأفكار» وكان يقارنها ببطلات جورج ميريديث، اللواتي بعد أن ناضلن بشدة من أجل استقلالهن، انتهين إلي الاستسلام للحب . أمضي سارتر وبوفوار حياتهما يعالجان مسائل علم الأخلاق ومذاهبه، أسسا معا مجلة » الأزمنة الحديثة» التي كان لها أثر كبير في فرنسا وأوربا. وحتي في العالم الثالث.كانا يعتقدان أنه لا حرية من دون مسئولية. تعاهدا علي أن يخبر كل منهما الآخر »كل شئ» حتي أدق التفاصيل. كان سارتر مثل »روكانتان» بطل روايته » الغثيان» الذي يقول »لكي يصبح الحدث التافه مغامرة كبيرة ينبغي عليك أن تسرده» . قال سارتر في مذكراته: »أردت أن يقرأ الناس سيرتي ويجدونها مؤثرة وغريبة» وتقول بوفوار في حوار صحفي وهي في السبعين من عمرها: »كنت أحب أن أخبر النساء حول حياتي بكل تفاصيلها، لأن الموضوع ليس شخصيا فحسب بل هوسياسي أيضا.» كانا مهووسين بما يدعوه سارتر »وهم السيرة» وهي الفكرة القائلة إن الحياة المعيشة يمكن أن تماثل الحية المسرودة .. كانا يقولان دائما إنهما يريدان أن يعرف الناس الحقيقة عن حياتهما الشخصية قال سارتر:»لم يحدث أن تخلصت من الرسائل والوثائق التي تتعلق بحياتي الخاصة إذ إنني أفضل أن أكون شفافا .. أعتقد أنه ينبغي أن تكون الشفافية بديلا من السرية» توفي سارتر في علم 1980 وبوفوار في عام 1986 إنهما لم يتلفا رسائلهما ويومياتهما وكان من الواضح أنهما خططا لتنشر بعد موتهما . وتبقي قصة حبهما واحدة من اعظم قصص الحب في التاريخ .