لم تكن مصادفة أن تكون مصر هي صاحبة الضربة الأولي والأساسية التي أسقطت في 30 يونيو حكم الإخوان، واسقطت معه مشروع تسليم المنطقة العربية لجماعات الارهاب المتاجرة بالدين، كما اسقطت في نفس اللحظة مخطط الفوضي »غير الخلاقة» الذي كان مقرراً له ان يمتد ليشمل كل انحاء الوطن العربي بعد أن مر علي العراقوسوريا وليبيا ونشر فيها الخراب والدمار. لم تكن مصادفة أن تكون مصر هي العائق في وجه هذا التحالف الاجرامي فهي المؤهلة بحكم التاريخ والتطور والشعب المسكون بحب الوطن وافتدائه علي القيام بهذا الدور وهكذا خرجت عشرات الملايين في 30 يونيو صفا واحدا تعلن إرادتها، ووقف الجيش الوطني كما كان علي مر التاريخ يعلن انحيازه لهذه الإرادة. ولقد كان أحد العناوين الرئيسية للمشهد في 30 يونيو.. أن أقدم حضارة في التاريخ ترفض أن تنكسر أمام مخططات الفوضي وجماعات الإرهاب. وأن شعبها العظيم يحول إيمانه بهذا الوطن إلي جدار صلب يحمي فيه الدولة التي يريدون هدمها. علي الجانب المقابل كان الإخوان وحلفاؤهم من الجماعات التي لا تؤمن بوطن ولا تعرف ولاء لدولة بل للجماعة، يمثلون اخلص التابعين لأصحاب مخطط الفوضي والدمار، ويتصورون أن عمالتهم سوف تضمن لهم طول الحكم وتحقق لهم وهم الخلافة!!.. وللحقيقة فقد حاولت هذه القوي الدولية أن تقاوم إرادة شعب مصر وأن تعاقب جيشها الوطني علي انحيازه لهذه الارادة وأن تمنع عنه السلاح وهو يخوض أشرف المعارك ضد عصابات الإرهاب.. لكن مصر انتصرت لتبدأ صفحة أخري في تاريخها وتاريخ المنطقة العربية كلها. من هنا كان الدرس الذي أعاد الرئيس السيسي التأكيد عليه في خطابه الاخير أمام الأممالمتحدة حين قال »إن المخرج الوحيد الممكن من الازمات التي تعاني منها المنطقة العربية هو التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة التي تقوم علي مبدأ المواطنة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الانسان و تتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القبلية. إن طريق الاصلاح يمر بالضرورة عبر الدولة الوطنية ولا يمكن ان يتم علي انقاضها! ولقد كان هذا هو الاساس في موقف مصر المبدئي تجاه ما يجري في العديد من الدول العربية الشقيقة. ورغم كل الضغوط أصرت مصر علي أن انقاذ الوضع في سوريا لن يكون إلا بالحفاظ علي الدولة والاصرار علي وحدتها وترك القرار في يد شعبها وحده. ومع كل الملابسات في أوضاع ليبيا وتهديدها للأمن الوطني في مصر، بأن القرار المصري ظل متمسكا بوحدة ليبيا، وساعيا لإعادة الدولة فيها، بعد خطيئة تدميرها ثم تركها للميلشيات المتقاتلة والارهاب المحلي والخارجي. وبنفس الرؤية كان الموقف المصري الداعم لوحدة العراق الذي دفع الثمن باهظا لجريمة غزوه وهدم مؤسسات الدولة فيه، ليظل نهبا للصراعات الطائفية والمذهبية وفريسة للقوي الإقليمية والدولية، ومسرحا لكل جماعات الإرهاب. وبنفس الرؤية كان الموقف المصري في اليمن وكان الحرص علي ألا تمتد نيران الفتنة إلي ما تبقي سالما من الدول العربية. بل وكان الموقف المصري في الملف الفلسطيني نابعا أيضا من رؤية تحرص علي الوحدة الوطنية الفلسطينية وتنهي الانقسام. وتتجاوز خلافاتها مع هذا الطرف أو ذاك من أجل الابقاء علي أمل الحل العادل القائم علي دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس. ولا شك أن المهمة ليست سهلة. في ظل إرهاب لن ينتهي بهزيمة داعش في سورياوالعراق. وفي ظل تعدد المكونات العرقية والدينية داخل العديد من الدول العربية. وفي ظل مخططات تستهدف تقسيم هذه الدول بعد إغراقها في الفوضي. وفي ظل اثار سنوات طويلة من الاستعمار والتخلف ثم الاستبداد والقهر. وفي ظل تطلع القوي الاقليمية غير العربية لمد نفوذها والهيمنة علي مقدرات العالم العربي وثرواته. المهمة ليست سهلة، لكن الثمن الباهظ الذي دفعته شعوب دول مثل سوريا وليبيا والعراق يمكن ان يعيد إليها وإلي غيرها من الشعوب العربية اليقين بأن »الدولة الوطنية المدنية الحديثة» هي الحل. ويمكن أن يجعل الكفاح في سبيل الحفاظ علي هذه الدولة فريضة واجبة.. لان البديل هو الكارثة. واذا كانت مصر قد فتحت باب النصر لهذا التوجه في 30 يونيو. وحاولت ورغم كل التحديات التي تواجههات أن تبذل كل جهد مستطاع لدعم نضال باقي الشعوب العربية لاستعادة الدولة أو الحفاظ عليها. فإن المهمة لم تنته وقدر مصر أن تتحمل مسئولياتها نحو أشقائها انطلاقا من أن منها واستقرارها مرتبط تماما بأمن الوطن العربي واستقرار دوله وازدهار شعوبه. المهمة لم تنته.. علينا أولا أن نواصل عملنا في الداخل لاستكمال بناء دولتنا الحديثة وتأكيد مبدأ المواطنة، وترسيخ قيم سيادة القانون وحقوق الانسان. لتكون النموذج الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة كما كانت مصر علي الدوام. وعلينا في نفس الوقت أن نواصل عملنا في دعم الاشقاء في الدول العربية وهم يسيرون علي نفس الطريق في ظروف أصعب من ظروفنا بكثير أن مصر هي المؤهلة لكي تساعد الاطراف المتنازعة أو المتقاتلة في دول عربية كثيرة علي أن تلتقي في ظل الدولة الوطنية. لا أحد سوي مصر ينال ثقة كل القوي الوطنية المعتزة بعروبتها والمدركة للمخاطر المحدقة بها أو الكارثة التي تنتظرها إذا انساقت وراء تحالف الإرهاب والطائفية ومخططي نشر الفوضي والدمار. الشعوب أصدق دائما وأكبر من كل مخططات الشر. لهذا كان طوفان الفرح الذي غمر الوطن العربي في 25 يناير، ثم في 30 يونيو كانوا ينتظرون عودة مصر بعد غياب طال وكانت آثاره كارثية. عادت مصر عبر الدولة، وليس علي أنقاضها.. وكان هذا هو الدرس الذي لم يكن لأحد أن يقدمه إلا مصر.. ولعل الجميع في عالمنا العربي يدركون أن هذا هو الطريق الذي لا طريق غيره لكي نعود صناعا للحضارة وعشاقا للحياة.