وسط رياح الثورة التي تعصف بالمنطقة العربية ، يتردد سؤال بإلحاح بين المسئولين والخبراء الغربيين .. هل العرب مستعدون الآن للحرية .. وهل تصلح الديمقراطية كنظام سياسي واسلوب للحياة في مجتمعات عاشت وتعايشت لفترات طويلة مع الدكتاتورية والاستبداد والطغيان ؟ هذا السؤال ليس بجديد وهو تعبير عن اعتقاد شائع ، خاصة في الغرب ، بأن بعض الشعوب مثل العرب والصينيين والافارقة ليست مؤهلة للديمقراطية وان حصولها علي الحرية سيؤدي ، علي الارجح ، الي فوضي علي الطريقة الصومالية او قهر علي الطريقة الايرانية او حرب اهلية علي الطريقة العراقية !!. وقد عبر الكاتب الصيني البارز لو اكسون عن هذا المعني بقوله " قبل الثورة في بلادي كنا عبيدا ثم اصبحنا عبيدا لعبيد سابقين هم من حكمونا بعد الثورة " .. هذا المفهوم تغير كثيرا الآن ولدرجة دفعت الكاتب الامريكي نيكولاس كريستوف لان يصفه صراحة بأنه رؤية ظالمة خاصة في ضوء تجربة الثورة المصرية التي شاهد العالم خلالها شبانا شجعانا يواجهون ارهاب بلطجية النظام ووحشية الامن ويدوسون بأقدامهم قنابل الغاز المسيل للدموع ويفتحون صدورهم للرصاص . كل ذلك من اجل الحرية التي يتمتع بها المواطنون في امريكا واوروبا دون حاجة لاي تضحيات . لذلك يستحيل الزعم بان مثل هؤلاء الشبان الشجعان ليسوا مؤهلين للحرية والديمقراطية التي انتزعوها من قبضة الحكم المستبد الذي كانت تدعمه امريكا راعية الحرية في العالم ! ويشير كريستوف الي مشهد رآه بعينيه في ميدان التحرير عندما اندفع أحد الشباب المعوقين بكرسيه المتحرك الي الصف الاول في مواجهة بلطجية النظام السابق وهو سلوك يرد بحسم علي كل محاولات التشكيك في استحقاق ثوار مصر عن جدارة للحرية والديمقراطية التي ضحوا بكل شئ من اجلها .. واذا كان هذا التشكيك يستند الي بعض الصعوبات والعراقيل التي تواجهها الثورات بالمنطقة العربية في مراحلها الاولي ، فأن هذه هي طبيعة الاشياء .. فالولايات المتحدة احتاجت لست سنوات كاملة بعد الثورة الامريكية لكي تنتخب رئيسا واحتاجت الثورة الفرنسية لسنوات حتي تصل فرنسا الي مرحلة الاستقرار . وخلال المد الديمقراطي الذي اجتاح شرق اوروبا عام 1989 استمرت حالة الفوضي لفترة طويلة في بعض الدول مثل رومانيا والبانيا ثم استقرت الامور في النهاية . ولاشك ان دولا مثل مصر وتونس وغيرها من بلدان المنطقة التي تعصف بها رياح الحرية الآن هي في اوضاع افضل من شعوب بلدان مثل اندونيسيا ومنغوليا التي شهدت الكثير من المذابح المروعة والصراعات الداخلية بعد ثورتها في نهاية التسعينيات من القرن الماضي ولكنها الان تتمتع بالاستقرار والتنمية . والحقيقة التي لم يعد هناك اي مجال للتشكيك فيها ان الشعوب العربية دخلت بالفعل مرحلة النضج السياسي والمجتمعي وربما تكون قد تفوقت علي العديد من الديمقراطيات العريقة في وعيها بقيمة الحرية وقدرتها علي التعامل مع الديمقراطية .. وتكفي شهادة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد زيارته الاخيرة لميدان التحرير رمز الثورة المصرية عندما قال " لقد كنا اسري لوهم يزعم ان العرب او المسلمين لا يستطيعون صنع الديمقراطية وانا اؤكد الآن ان هذا المفهوم خاطئ وظالم وعنصري " . هكذا ، انهارت نظرية عدم ملاءمة الديمقراطية للمنطقة العربية ولم يعد يتمسك بها سوي بعض رموز الطغيان والاستبداد في بلادنا الذين يحاولون الالتفاف علي ارادة الشعب وانقاذ نظم الحكم.