تعتبر الدراما هي أهم الأشكال التليفزيونية، سواء تم قياس ذلك بحجم الإنفاق المادي عليها، والذي وصل في شهر رمضان الحالي فقط إلي أكثر من ملياري جنيه مصري، أو تم قياس ذلك بحجم التعرض لها والتأثير الذي تمارسه علي الجمهور، وهي دائما الاختيار الأول بالنسبة للجمهور.. علي أن هذه الأهمية، ومنذ كتابات أرسطو عن فن الخطابة، تعكس ازدواجية في الرؤية، وثنائية في التقييم: فهناك من يري في الدراما أداة تطهير وسمواً وعقلانية، وهي تعكس تأثيرا إيجابيا علي الجمهور .. وهناك من يراها اداة نشر سلوكيات سيئة، وأداة هدم للمجتمع، وهي تعكس تأثيرا سلبيا علي الجمهور.. وهناك من الدراسات من يري أنها لا تؤثر إطلاقا علي الجمهور، الذي لا يصدقها، ولا يلتفت إليها.. وبين هذه الاتجاهات الثلاثة المتشابكة في البحث العلمي، تتوه الحقيقة المتعلقة بموقع الدراما في معالجة القيم الإنسانية، وتأثيراتها المختلفة، وهو ما تحاول أن تجيب عنه هذه الدراسة.. والسؤال الرئيسي الذي تجيب عنه هذه الدراسة هو: هل وسائل الإعلام والدراما أحد أشكالها الرئيسية أداة تنوير تلقي الضوء علي مفاهيم حقوق الإنسان، وتعزز قيم الحرية والمساواة والعدالة والاحترام المتبادل بين الأفراد والجماعات؟ أم تكرس لمفهوم القوة الجائرة والبطش والبقاء للأقوي وللأغني وللأكثر نفوذا ومقدرة؟ وهل التعرض لوسائل الإعلام يؤدي إلي أن يصبح الإنسان علي المدي الطويل أكثر تساميا وترفعا أم اكثر استغراقا في العالم الوضيع والرديء علي حد تعبير أصحاب نظرية الغرس الثقافي؟ للإجابة عن هذا السؤال، تم اجراء دراستين، الأولي تحليلية لمضمون عينة من المسلسلات التليفزيونية التي تم عرضها خلال شهر رمضان 1438 »يونيو 2017»، وتحليل القيم والسلوكيات التي تم عرضها في هذه المسلسلات، وقد تم اختيار 8 مسلسلات تمثل الاتجاهات الرئيسية للدراما »الاجتماعية، الكوميدية، التاريخية».. بالنسبة لاختيار المسلسلات الاجتماعية تم الاختيار طبقا لبعض المؤشرات الأولية علي أنها الأعلي مشاهدة وقت الاختيار.. أما المسلسلات الكوميدية والتاريخية فقد تم اختيارها بشكل عمدي لقلتها ومحدوديتها.. وقد بلغ عدد المشاهد التي تم تحليلها 4622 مشهدا. والمسلسلات الثمانية التي تم اختيارها للتحليل هي حلاوة الدنيا، لأعلي سعر، الحساب يجمع، ظل الرئيس، هذا المساء، واحة الغروب، هربانة منها، ريح المدام. ولمعرفة أبرز القيم التي رآها الجمهور أو تصورها في مسلسلات رمضان، فقد تم اجراء دراسة ميدانية علي عينة قوامها 500 شخص، في أربع محافظات، هي القاهرة، والاسكندرية، والغربية، المنيا، وتم توزيع العينة علي هذه المحافظات الأربعة توزيعا متساويا.. وروعي أن يتم تمثيل الخصائص الرئيسية للآفراد من حيث النوع والسن والمستوي الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي.. وقد أجريت هذه الدراسة خلال الفترة من 22- 24 يونيو 2017.