يعد الشاعر المبدع عبدالله حسن من أفضل الشعراء الذين قصوا تجربتهم مع أمهاتهم، تجربة الشباب والتمرد والشعور بالتفرد وعدم الالتفات لمشاعر الأم وخوفها علي ابنها واستخفافه بهذا الخوف ، بل والسخرية منه ومن مشاعر الأم، ثم تجربة الإنجاب وكيف شعر بفضل الأم. ثم التجربة الأخطر والأفظع والأحزن وهي تجربة "فقد الأم فجأة " وأحياناً دون مقدمات فيستيقظ علي أكبر كارثة وأشد فاجعة أنه أصبح وحيداً دون سند. هذه التجارب الإنسانية العميقة سطرها ذلك الشاعر الأصيل ، فقد أفاق فجأة من غفلته مع أمه علي قرعات ملك الموت علي باب أمه الحبيبة وهو يرجوه أن يتمهل قليلاً حتي يبرها ويعوض ما فاته :فاق لأول مرة يفهم معني "أم" .. يعني إيه التضحية .. ياخدوا عمري مني بس آخر أمنية .. يا ملاك الموت تمهل .. لسه أنا في عنيها عيل .. سيبها بكرة .. سيبها بعده .. سيبها أسبوع .. سيبها شهر .. سيبها عمر .. سيبها لسه .. سيبها أرجوك .. سيبلي فرصة .. نفسي أسمع تاني" يا ابني " . ثم يعبر الشاعر عن حزنه أنه لم يسمع وصايا أمه وهو صغير فينطلق باكياً حزيناً قائلاً : اللي ما قالتهوش أمي ليا هو اكتر شيء تاعبني ويتذكر قصته مع أمه :"كنت ليه دايماً أناني .. كانت تعاتبني بحزن .. يا ابني محتاجة لسنده .. بص شوف الشعر شايب .. أيوه بيتي كان لوكاندة..عشت فيها واكل وشارب .. عمري ما اهتميت بحاجة .. أمي تفتح أمي تقفل .. أمي تمسح أمي تغسل .. أمي تطبخ أمي تغزل .. أمي تعمل كل حاجة .. أمي حصالة الوجع .. أمي قبل النوم بتدعي .. مش عشانها كان عشاني .. ابتدي إحساس يصحي .. السنين علي الوش واضحة .. رعشة الإيد اللي شالت والكلام ممزوج بكحة .. زي شجرة عشان تضلل الغصون لازم تميل . ندم الشاعر علي تقصيره في حق أمه وأدرك أنه لم يفهمها أو يدرك قيمة أوامرها التي ظنها قيوداً تأسرها: شفتها في طلعت شبابي قيد وخنقة .. لما بتأنبني أشوح .. كنت أدور وشي"أف".. ماما مش وقتك سبيني .. انتهينا خلاص كبرت..اتاخذت في سكة تانية .. زهقت من لعبك معايا .. زهقت من خوفك عليا .. وخوفها لما الليل يليل .. كانت تبص بعين حزينة .. كانت تقولي لسه برده في عيني عيل .. أمي ما سمعتش مني طول حياتها إلا "عايز". وهكذا ينطلق الشاعر الكبير عبدالله حسن وهو يظهر إحسان الأم وكرمها وجحود الابن وغباءه ليرسم أجمل الصور التي تتكرر دوماً في حياة الأسر ، تحية إلي كل الشعراء الذين مدحوا عطاء الأمومة ، وتحية إلي الأمهات في كل زمان.