تحدثنا في المقالة السابقة عن أن المبادئ لا تتجزأ في حياة الإنسان، ووضعنا تساؤلًا: »أين الإنسان من مبادئ الحياة؟»، وإلي أي مدًي يسير وَفقًا لها؟ بعد ساعات قليلة تبدأ البشرية رحلتها نحوعام جديد وهبه الله لها، رحلة تمضي قدمًا أمام الله، وتُرسم وتُخط علي صفحات التاريخ؛ فماذا تريد أن يُحفظ عنك أمام الله، وأمام التاريخ؟ أمّا أمام الله، فيقول أحد الآباء: »وقد علمتُ، يا إلٰهي، أنك أنت تمتحن القلوب وتُسَرّ بالاستقامة.». نعم، كل شيء مكشوف أمام الله وهويعرف كل خفايا القلوب وأفكار الإنسان ونياته فلا شيء يختفي عنه؛ أمّا ما يَسُره فهو استقامة الإنسان: استقامة الفكر، والقلب، والعمل.. استقامة الفكر تكون في ابتعاد الإنسان بأفكاره عن الشر إزاء أيّ إنسان، والسُّمو بذٰلك الفكر إلي ما ينحو بالبشرية إلي الخير، فيكون الخير هومرشده في السلوك والعمل. وفي عالمنا الآن، نري من يحاول التشكيك في قيم الخير بالادعاء أنها لون من ألوان الضعف!! عفوًا، فالخير قوة، ويظل قوة إلي نهاية الأيام. الخير يعود إلي صاحبه وإن تأخر! وأيضًا لا يموت، وإن غاب صانعه عن العالم، فهو يحيا في الحياة الأخري، ناعمًا بالسعادة والراحة. أمّا استقامة القلب، فهي إحدي النتائج المباشرة من استقامة فكر الإنسان، فمن له فكر الخير يمتلئ قلبه بمشاعر المحبة للجميع حتي الأعداء! وإن مرت به الأزمات والضيقات، فهو قادر علي تخطي آثارها علي نفسه ومشاعره، ويعود سريعًا إلي محبته. وأجدني هنا أتذكر الزعيم البطل »نيلسون مانديلا» من أبرز أبطال الخير في تاريخ الإنسانية الذي تأخرت ثماره في حياته سنوات طويلة وصلت إلي سبع وعشرين!! لٰكن ذٰلك لم يكُن ليُضعف إيمانه بالخير، ولم يؤثّر في استقامة قلبه، وحين خرج من سجنه كان يحمل فكرًا وقلبًا مستقيمين نحوالجميع، فكانت حياته ثمار خير اقتطفتها البشرية ونعِمت بها، وخطتها صفحات التاريخ. إن الفكر والقلب المستقيمين لن يؤديا بصاحبهما إلا إلي سلوك وعمل يليق بهما، فكيف لإنسان يفكر بالخير، ويحمل في قلبه المودة والرحمة، إلا أن يسعي باذلًا كل جُهده من أجل تحقيق ذٰلك الخير في حياته، في غير انتظار لمكافئته؟! إنه يُدرك أنه يعمل من أجل محبته لله الذي يريد الخير للجميع. مع بداية عام جديد، جدير بكل إنسان أن يتوقف قليلًا لمراجعة الأفكار والمشاعر، ومن ثَم كل عمل في حياته، كي ما يكون جديرًا بمسؤولية الحياة الموهوبة له من الله فتستحق أن تُخَط علي صفحات التاريخ.