الكلمة الصادقة تحمل دائما تفسيراً لمعاني لوغاريتمات الحياة ، وتلقي بظلالها علي غصون المعرفة فتوهب صاحبها الخلود ! ، لأنه اراد يوما ان يكون ما يحسه ويعيشه دون تزييف او تزويق ، استطاع الفنان صلاح جاهين ان يصنع عالما ابداعيا مميزا في الكتابة والرسم والفن والشعر في كلمات مسحورة لها فعل الانبهار والدهشة علي طول الزمان لشدة بساطتها وعمق معانيها وصدق وجودها في لمس كل القلوب العطشي للفرح والحب والحنان .. استطاع بكل عفوية ان يعبر عن المشاعر الانسانية التي جعلت من كلماته قاموس حياة لشعب ثار يوما علي الفساد والظلم والطغيان ، شعب حقق في يوم من الايام معجزة الارادة حينما اراد ، وثق في الشعب المصري وقدرته علي التغيير عندما صوره في كلماته القليلة العميقة المعني " الشعب دليل إلهامه " .. وحينما قال " علي اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندي أحب وأجمل الاشياء . تحل غدا - الأحد - الذكري السابعة والعشرين علي رحيل الفنان صلاح جاهين مع شعور متزايد بالافتقاد والحنين لحالة من الحب لشاعر عزف بكلماته علي اوتار احاسيس الانسان البسيط فحفر في اعماقه علي مدي الزمن ذكري حلوة نبتسم لها كلما حضرت كلماته في الذاكرة معلنة حالة تمرد او حزن او حب او اشتياق ويتجدد الحنين حين نقرأ أحد رباعياته الرائعة: " أنا اللي بالأمر المحال اغتوي. شفت القمر نطيت لفوق في الهوا. طلته ما طلتوش إيه انا يهمني. و ليه .. ما دام بالنشوة قلبي ارتوي. عجبي ! .. كان صلاح جاهين يقول عن رباعياته : انه اراد ان يسجن نفسه في اربعة اسطر ليتحدي قدرته الشعرية .. وميلاد الرباعيات له حكاية : كان صلاح جاهين يسير في طريقه المعتاد لمجلة صباح الخير وإذا بأربعة سطور تتردد في ذهنه "مع ان كل الخلق من اصل طين وكلهم بينزلوا مغمضين .. بعد الدقائق والشهور والسنين .. تلاقي ناس أشرار وناس طيبين " وعلق عليها بصوت عال "عجبي !" وصعد صلاح جاهين الي المجلة واسمع صديقه أحمد بهاء الدين رئيس التحرير تلك السطور الاربعة فطلب منه بهاء أربعة مثلها كل أسبوع للنشر بالمجلة . هكذا ولدت الرباعيات .. وكان من المفارقات العجيبة أن الرباعيات رغم كونيتها وشمولها الفلسفي كتبت كمادة صحفية تظهر أسبوعيا في مجلة صباح الخير وقد بدأت في الظهور 1959وعندما انتقل الشاعر الي جريدة الاهرام كرسام للكاريكاتير توقفت الرباعيات ولم تستأنف إلا عام 1966-1967 حين عاد الشاعر لصباح الخير رئيسا لتحريرها لمدة عام واحد وحين تركها مرة اخري توقفت الرباعيات للأبد فيما عدا خمس رباعيات نشرت عام 1968 في مربعه الكاريكاتيري بالأهرام تعليقا علي مظاهرات الطلبة في ذلك احتجاجا علي الهزيمة وتبدأ : ولو انضنيت وفنيت وعمري انفرط .. مش ممكن اقبل بالحلول الوسط .. وكمان شطط وجنون مانش عايز .. يا من يقول لي الصح فين الغلط .. عجبي ! وتنتهي بالرباعية الاتية : عيني رأت عصفور ووياه ابنه .. بيحدفه في الريح وياخده ف حضنه .. نوبتين ، وثالث نوبة عجبي عليهم لاتنين سوا بيرفرفوا ويغنوا .. عجبي !