عماد عبدالغفور منظومة القيم لفرد ما أو للمجتمع هل يمكن تغييرها وتطويرها إلي الأفضل؟ أم هي ثابتة لا يمكن تغييرها؟ الإجابة في قول الله تعالي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) بالطبع يمكن تغييرها، ولكن ينبغي الاعتراف أن هذا التغيير للأفضل ليس بالهين ولا اليسير، ولكن يحتاج إلي عمل وجهد كبير، ولا نبالغ إذا قلنا إن جوهر الرسالات والنبوات هو العناية بمنظومة القيم الإنسانية وتطويرها للأفضل، وقد يدل علي هذا تأمل سيرة الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم وكذلك تدبر بعض النصوص الثابتة مثل قوله صلي الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، أو بسؤاله عن معني المفلس؟ فقالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار، فقال: المفلس من يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا، وآذي هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتي إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم، ثم طرح في النار). وكذلك قوله: (ليس الغني عن كثرة العرض وإنما الغني غني النفس). وكذلك قوله: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب). وقوله: (الطهور شطر الإيمان). وقوله: (لئن يغدو أحدكم فيحمل حبله علي عاتقه فيحتطب خير له من أن يتكفف الناس، أعطوه أو منعوه). فهذه الأقوال وغيرها الآلاف تدل بوضوح علي إعلاء قيم الإحسان والجد والعمل والتعفف والرفق والطهارة والنظافة، في قائمة طويلة من القيم النبيلة، والمثل الرفيعة، التي جمعت في دوواين خالدة، يذخر بها تراثنا التليد، وتصلح أن تكون زاداً لنا إذا رغبنا في إعادة بناء منظومة القيم. وقد ينشأ هنا سؤال هل معني ما ذكر أن جميع منظومة القيم التي قد يتصف بها شخص ما تكون مكتسبة أم جِبِلَّيَّةُُ؟ وقد ذهب البعض إلي أن الصفات تكون مكتسبة استناداً إلي ما ورد في الأثر:(إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم)، وذهب آخرون إلي أن الصفات تكون وهبية جِبِلَّيَّةُُ استناداً لقوله تعالي: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، وكذلك قوله تعالي في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم) وقد يكون الأصح التوفيق والتوسط بين القولين، والميل إلي أن هناك صفات وهبية جبلية، ويكون للوراثة دور كبير في ذلك، وقد يشير لذلك قوله تعالي: (ذرية بعضها من بعض)، وقول الشاعر: بأبيه اقتدي حاتم في الكرم. ومن شابه أباه فما ظلم وهناك الكثير من الصفات الكسبية التي يكتسبها الفرد من البيئة والمجتمع المحيط وطبيعة عمله ووظيفته، وكذلك بتأثير الدين والتعليم والتمرين، وقد يكون نموذجاً لذلك ما يذكر من الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع، فالأول يكون شاعراً بالفطرة والسليقة والموهبة الجبلية، والثاني يكتسب تلك المهارة بالتدريب والتعليم، وقياساً علي يمكن أن نذكر الكرم بالفطرة أو بالاكتساب، والحلم والرفق بالفطرة أو بالاكتساب، والأفضل والأكمل أن يجمع الفرد الأمرين : الموهبة والتعليم، والفطرة والاكتساب .