عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بهاء طاهر:
أنا لست سعيدا.. وگتاباتي مجرد»خربشات« للبحث عن الحقيقة
نشر في أخبار اليوم يوم 08 - 03 - 2013

في سياق الإبداع السردي يأتي بهاء طاهر من جيل الستينيات، حاملا تجربته الخاصة المكثفة، المتدفقة المشاعر، ليقدم لنا أعمالا ابداعية مغايرة، كتاباته تشبه ملامح شخصيته الراقية، الجذابة، التي تتميز بدماثة الخلق، رسخ الكتابة ونقلها إلي عوالم مختلفة. فجاءت تجربته مميزة بعيدة عن فكرة التأكيد علي عالم بذاته.. فهو لا يحب ان ينزل نفس النهر مرتين، ورغم وضوح حسمه لوظيفة الكتابة، إلا انه لم يقع في فخاخ الأيدلوجية أو لغة الشعارات، الكتابة عنده تجربة مغايرة لكل ذلك، وربما لهذا السبب كان مقلا في الكتابة، إنتاجه أقل عدداً وكماً من أبناء جيله لكن الإبداع الحقيقي لا يعترف بالكم أو بمقولة "أكثر الكتب مبيعا "، بهاء طاهر عصامي في ابداعه، لا ينشغل بالجوائز، بل انه رد "جائزة مبارك للآداب " التي حصل عليها عام 2009 وقال إنه لا يستطيع أن يحملها بعد ان أريقت الدماء الذكية للشباب واستشهد المئات في ميدان التحرير..كتابات بهاء طاهر كما وصفها الناقد محمود امين العالم بالهامسة التي تنساب اليك في هدوء آسر بليغ وتربت علي مشاعرك في نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالي.. هذه الصفات الحقيقية جعلتني أفكر مائة مرة قبل أن اخطو اليه واطلب منه حوارا صحفيا، وأن كان هذا اللقاء حلم من احلامي أن أجلس مع كاتبنا الكبير اناقش معه تفاصيل ما يحدث حولنا في هذه المرحلة الصعبة التي تجتازها البلاد.. لكن حوارنا جاء مغايرا.. لان كاتبنا الكبير اراد وأنا أيضا أن يكون حوارا خاصا ذات طبيعة تحمل في طياتها لغة البوح والفضفضة بعيدا عن السياسة.
في جلسة ودية تعطرها كلمات كاتبنا الكبير بهاء طاهرة كنت استمع وأسجل كلماته دون مقاطعة و.. كان اللقاء.. لا أخفي سرا كانت لدي مشكلة كيف يدور الحوار مع كاتب في قامة بهاء طاهر دون ان يكون لدي أفكار وأسئلة محددة ومعدة مسبقا.. كان الحل ان اطرح علي كاتبنا الكبير أسئلتي من خلال أسئلته المحيرة التي طرحها في أعماله الابداعية.. ورغم حرصي الشديد لعدم التعرض للأحداث السياسية الراهنة إلا انها كانت تطل علينا وتفرض وجودها علي حوارنا الذي كان محوره الاساسي فكر مبدعنا الكبير وما يدور في نفسه من حوارات صامتة لا يبوح بها لأحد، تحدثنا عن الحب والألم والاستقرار والحلم والسعادة والفشل والنجاح.. كان الحوار اشبه بالسباحة في فكر وعقل وقلب كاتبنا الكبير.
رواية نقطة النور هي رمز فلسفي يجسد فكرة تصارع الانسان مع ذاته.. قلت في سطورها: " الحب الحقيقي التقاء روحين، والأرواح لا تتنافس في الجمال ولا في الذكاء لأن كل الأرواح جميلة وذكية" كيف تفسر ذكاء الروح؟وكيف كان تأثيره في حياتك؟
- ذكاء الروح الذي أقصده هو الذكاء الذي يتمثل في انتقاء الاخر دون تعمد أو تعسف "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها أختلف".. أنه نوع من التلاقي بدون تخطيط وهذا لا يحدث إلا في حالات الصدق الحقيقي في العلاقات الإنسانية.. أما تأثيره في حياتي كان كبيرا لأني أؤمن أن الحياة بدون حب لا قيمة لها، أنا لست من أنصار من يعتبرون الحب قصة وانتهت، الحب لا يموت بل أنه يستمر وقد قلت ذلك بشكل واضح في احدي قصصي قالت ضحي: ان الحب يكون مثل ندبة الجرح في الروح موجودة دائما نراها ونعرفها وربما لا نتحدث عنها وإنما تبقي مجرد ذكري لطيفة في حياة الإنسان، وقد نجد فلانا يكلم نفسه ولكنه في الواقع يكلم الحب الذي بداخله.
في رواية حب في المنفي قلت: لا اتكلم طول الوقت، ولكن مع نفسي في رأسي حوار لا ينقطع ".. ما الحوارات التي تدور بينك وبين نفسك ولا تنقطع في هذه الايام؟
- في الحقيقة هناك حوارات كثيرة، أنا كنت شديد الاهتمام بعالم السياسة منذ كنت صغيرا وقد كتبت مقال مؤخرا حكيت فيه بعضا من هذه الحوارات عن ذكريات صبايا عندما كنت تلميذا في الصف الثالث الثانوي ومشاركتي في اول مظاهرة في حياتي ضد الاحتلال الانجليزي التي كانت في ميدان التحرير الذي كان اسمه في ذلك الوقت ميدان الاسماعيلية نسبه للخديو اسماعيل وكانت المظاهرة معادية للملك الي حد كبير وكانت هذه المظاهرة تنفرد بميزة انها كانت مظاهرة صامتة بلا هتاف خوفا من ان كل حزب يرفع هتافاته وشعاراته ويحدث مشاجرات ومعارك مع من يقول يحيا ومن يقول يسقط فاتفقوا الا يكون هناك أي هتافات كانت هذه المظاهرة فيها روح فكرة " الكل في واحد ".. كلنا في ذلك الوقت كنا وحدة واحدة بدون تمايز أو اختلاف ولا انتساب حزبي كلنا كان هدفنا ان نقول:"لا " للاحتلال الانجليزي الذي كنا نهتف ضده منذ وعينا للحياة، وكان من محاسن الصدف ان اشهد في نفس الميدان احتفالات الجلاء بعد ان تغير اسمه الي ميدان الجلاء ونردد اغنية " والله ما دون الجلاء.. ويومه يوم تسميه الكنانة عيدا " ثم تغير اسمه بعد الجلاء والاستقلال الي ميدان التحرير وقد شاهدت فيه مظاهرات حزينة بعد نكسة 67ورأيت المظاهرات وفسرتها انها لم تكن لتأييد قائد مهزوم لكني رأيت فيها كواحد من ملايين الغاضبين يومها صيحة رفض للهزيمة. كان الكل في واحد يتحرك لالتقاط عَلَم الوطن الذي سقط ورفعه من جديد لمواصلة الحرب.. مكان واحد هو " ميدان التحرير " ولكنه يحمل بداخلي عدة احداث تاريخية تطوف بخواطري كلما رأيت ما يحدث فيه منذ ذلك الوقت حتي وقتنا الحالي
ويستطرد كاتبنا الكبير ذكرياته دون أن اقاطعه فذكرياته هي جزء من تاريخ مصر..ان ميدان التحرير شهد وقفات احتجاجية ووقفات احتفالية ايضا، شهد احزان وأفراح هذا الشعب
هل ميدان التحرير اختار الحدث أم أن الحدث اختاره؟
- الحقيقة الحكاية مرتبطة بالطرفين.. انه مكان يتوسط قلب القاهرة ويعتبر ملتقي المسارات كلها ونقطة بداية لمحطات الترماي قديما ومحطات مترو مصر الجديدة فهو بؤرة المسارات الجغرافية.. فالأحداث كانت تتجمع من حوله وهو يضم تاريخ وطني كبير فالاختيار متبادل
هل كنت تشارك في العمل السياسي منذ الصغر؟
- لم يكن هناك ما يسمي بالعمل السياسي، لكن كان هناك العمل الوطني، وكنت انتمي للعمل الوطني، وكان لدينا مدرس للتاريخ اسمه " السعدني " كان يدرس لنا التاريخ ليس كأحداث وإنما كتطور للحركة الوطنية وكان يعنفنا اذا حدثت مظاهرة ولم نشارك فيها...... وتتسع ابتسامة كاتبنا الكبير وهو يستعيد ذكريات الصبا والطفولة ويعود الي طفل صغير: لكن كان هناك أيضا مدرسين يرفضون مشاركتنا في المظاهرات ولكن معظمنا كان يطيع الاستاذ السعدني وأنا منهم.. وهذا يجعلني أؤكد علي دور المؤسسة التعليمية في تنمية الانتماء الوطني لدي الاطفال من الصغر
ويسرد كاتبنا الكبير ذكرياته: انا كنت أحد الاعضاء المؤسسين لحركة كفاية، لم اكن قائدا مشهورا فيها ولكني شاركت في كل نشاطها في رفض الوضع الذي كانت عليه مصر.. وهناك كاتب اتصل بي ليخبرني انه يعد كتابا عن ثورة 25 يناير وانه يبدأ الكتاب بقصة الاعتداء التي تعرضت لها من احد رجال الامن المركزي أثناء احداث ثورة يناير.
في رواية نقطة النور قالت الدكتورة صفاء لابنتها لبني عندما سألتها:هل أنت سعيدة في حياتك؟ فأجابت الانسان لايريد أن يكون سعيدا أو لا يكون سعيدا ياحبيبتي، هو اما أن يكون سعيدا أو لا يكون ارادته لا دخل لها بالموضوع " هل السعادة: وهم ام لحظات هاربة ام هي صناعة يدوية؟
- انا موافق علي رأي الدكتورة صفاء، لا أحد يختار أن يكون سعيدا أو غير سعيد ام ان تكون سعيدا فعلا أولا تشعر بالسعادة.
ما الذي يسعدك؟
- ان تتحقق أحلامي، أن يكون وطني بخير، وأولادي بخير.. أنا قلت لك أنني منذ صغري لم أفرق بين حياتي الشخصية والحياة العامة مع الاسف وان كان من المفروض ان يكون ذلك شيئا جيدا وإنما ليس في كل الاحوال
هل تعتبر نفسك من الاشخاص السعداء؟
- هذا السؤال من اصعب الاسئلة التي وجهت لي في حياتي،سؤال صعب حقيقي سعيد أم راض علي نفسي كلمة كبيرة جدا.. وصمت قليلا ثم استطرد: أنا لست سعيدا في حياتي لسبب.. حياتي كانت صعبة.. أنا ولدت في عز الحرب العالمية الثانية وكانت أول ذكرياتي الغارات الجوية عندما تفتح وعيي عندما بدأت أفهم الدنيا كانت الغارات وظلام الأنوار في القاهرة وصوت القنابل وصوت المدفعية المضادة للطائرات وكنت ادعو علي هتلر لانه حرمني من النوم ثم اقتربت الاحزان من حياتي الشخصية عندما ابعدت عن عملي لمدة عشرين عاما لأسباب سياسية بالإضافة الي مشاكلي العائلية الكثيرة المتمثلة في انفصالي عن زوجتي الأولي أم بناتي
هل الألم يصنع ابداعا؟
- الألم بالنسبة لناس كثير يمكن أن يكون عائقا للإبداع وليس مانعا.. وهناك أيضا ناس كثيرة حياتها كانت خالية من الألم وأبدعوا.. هناك مثلا المتنبي وأنا من أشد المعجبين به كانت حياته صعبة جدا إلا انه انتج ابداعا رائعا، حياته كانت تعيسة ولكنه أعطانا أجمل القصائد.. وهذا ينطبق علي الشعوب يمكن ان تكون الظروف التي تعيشها الامم صعبة لكن يكون لديها أجمل ابداع مثال علي ذلك روسيا في فترة القيصرة في ظل حكم بوليسي باطش حدث انتاج بديع لان الابداع يمثل هنا نوع من المقاومة للقهر الذي يمثله النظام القمعي.
أنا لست جميلا ولا انت جميلة، الحب وحده هو الجميل، وحده يرينا الجمال هذه احد مقولات علي لسان لبني بطلة رواية نقطة النور.. كيف تري الحب في حياتنا اليوم؟ هل لم يعد له وجود وسط هذا الكم من الفوضي والانانية التي نلمسها يوميا بين الناس؟
- الشاعر ايليا أبو ماضي له بيت شعر جميل في قصيدة "كم تشتكي " يقول فيه:كون جميلا تري الوجود جميلا، عندما ننظر للحياة من الجانب المضيء بالتأكيد سوف نري كل شئ جميل وعين المحب دائما لا تري إلا الجمال، أنا شخصيا لم افتقد الحب لحظة واحدة في حياتي رغم ما مر في حياتي من صعاب.
هل أحد مشاكلنا بعد الثورة افتقاد الحب في حياتنا، حيث تفجرت سلوكيات غريبة لم تكن موجودة من قبل في مجتمعنا؟
- وهل هذا السلوكيات والتصرفات لها علاقة بالثورة أم هي نتيجة نظام اجتماعي؟مثلا في بداية حياتي أنا وكثير من ابناء جيلي لم نكن نمتلك المادة، بدأنا حياتنا خطوة خطوة، لم يكن لدينا المال لنتزوج ونقيم حياة اسرية، ولكننا كنا نبني حياتنا واحدة واحدة، وكان طريق الكفاح يسعدنا اننا نمتلك الاحلام التي سنصل في نهايتها الي غايتنا بلا عنف او عراك، من فترة تحولت كل حسابات الحياة الي ماديات وصارت المادة هي التي تحكم العلاقات الانسانية، وهذا النظام اوجد كثيرا من المشاكل الاجتماعية التي تفاقمت ونتج عنها عزوف الشباب عن الزوج والاستقرار لعدم قدرتهم المالية وتحول المجتمع الي مجتمع استهلاكي لا يؤمن بغير المادة واختفي الجانب المعنوي وتجلي الجانب اللااخلاقي في التطور الاجتماعي فدخلت علي حياتنا سلوكيات وقيم غريبة تطورت ووصلت للأوضاع الاجتماعية التي نراها اليوم في الشارع
في رواية واحة الغروب قلت علي لسان البطل:"يمكن أن تحكم بالخوف والقمع، لكن الخائفين لا يمكن أن ينتصروا في حرب، في ساحة الحرب يجب ان يكونوا أحرارا ".. كيف تري هذه المعاني في وقتنا الحاضر؟
- كنت أقصد في هذا المعني حربي 76، 37 وفي الحربين كان هناك درجات من القمع وعندما اطلقت درجة معينة من الحريات من اجل صناعة المستقبل انتصرنا.. بشكل عام الخوف والقمع لا يصنعا مستقبلا لاحد لا لافراد ولا لشعوب.
في رواية نقطة النور قلت:"ما الذي يجعل خطانا تقودنا الي عكس الطريق، ونحن نعرف أنه عكس الطريق ".. ماذا تعني هذه الكلمات؟
- كثير منا يصنع الغلط وهو يدرك أنه غلط، وأنا شخصيا هناك أخطاء كثيرة فعلتها وأنا علي وعي وإدراك بها..يمكن ان يترجم هذا التصرف بالمغامرة، التعلم، اكتساب تجارب، البحث عن المعرفة، أو اكتشاف الجديد.. هناك اسباب كثيرة تختلف من شخص لآخر لكن في النهاية معظمنا يسير عكس الاتجاه احيانا
ما هي التجربة التي أثرت عليك في حياتك ومازلت تستمد منها ابداعاتك؟
- هذا سؤال مفاجئ، بمعني لم أفكر بهذه الطريقة، لكن مؤكد أن حكمك يكون صادق.. أظن أنها الحقيقة،ثم استطرد كاتبنا الكبير بعد لحظة تفكير سريعة:أعتقد أنها البحث عن الحقيقة.
هل مازلت تبحث عن الحقيقة في كتاباتك؟
- كل ما كتبته "خربشات" لمحاولة البحث عن الحقيقة، هذا السؤال المطروح من المهد حتي النهاية "ما هي الحقيقة؟" وهذا هو نفس السؤال التي تطرحه علينا الدنيا من أول يوم نعي فيه الحياة، ماذا نريد؟ من نحن؟ أظن أن الابداع في العالم القديم والحديث أيضا هو الاجابة عن هذا السؤال معني الحياة. هناك بيت شعر لزهير بن أبي سلمي يقول فيه: "ومن يوف لا يذمم ومن يهدي قلبه.....الي مطمئن البر لا يتجمجم" ربنا يهدي قلب الانسان، وأن يكون مطمئنا.
في رواية قالت ضحي قلت " الظلم لا يبيد.. ما الحل؟ ان تحدث ثورة علي الظلم.. وقد حدثت ثورة 25 يناير علي الظلم وقطعت رأس الحية كما قال سيد في الرواية وأيا كانت رأس الحية فانها لها أكثر من رأس وقد تلد رأسا جديدا تحت مسمي اسمه مصلحة الشعب ، للضرورة المرحلية وبالتالي يكون هناك "ظلم مؤقت " لحين تحقيق الثورة ويصبح لطالب العدل اسم جديد قد يصبح يساريا أو يمنيا أو كافرا أو عدوا للشعب بحسب الظروف ".. كيف تري الثورة الآن؟
- في هذا السياق السردي الذي جاء في سطور قصتي لم أكن أقصد فيه ثورة بعينها لا ثورة يوليو ولا ثورة يناير وانما المقصود ان الثورات تقضي علي الطاغية أي ان كان نوري السعيد او هتلر او أي رأس طاغية وفاسدة تتولد رؤوس أخري للفساد تكون ربما أقل قوة من رأس الحياة وتظل الثورة مستمرة حتي القضاء التام علي كل هذه الرؤوس التي تولدت من الراس الحية الاصل.
قلت:"كل إنسان يصنع نفسه وفي الغالب يكون ضد ماضيه " كيف يكون الماضي دافعا للمستقبل؟ ومتي يكون مدمرا للمستقبل؟
- في رواية الحب في المنفي كانت هناك فكرة مسيطرة علي.. أن الطفل بداخل كل منا لا يموت ابدا بالنسبة لكل انسان ، أنا لست محللا نفسيا وقد أكون محقا او غير محق ولكن من تجاربي ان كل احباطات هذا الطفل يحاسبنا عليها عندما نكبر، الماضي يتحكم في المستقبل وفقا لدرجة الوعي الانساني فهناك من ينظر للماضي كتصفية حسابات في المستقبل وهناك من ينظر اليه لخطوة للمستقبل، اما انا فأري ان الماضي والمستقبل لحظة ممتدة .
هل هذا الطفل الكائن بداخلك يصاحبك في حالات الابداع؟
- هذا الطفل موجود معي طول الوقت، أنا واع له تماما، ودائما ما يشتكي لي من حاجات قديمة.
وهل تلبي لهذا الطفل كل احتياجاته؟
- يضحك كاتبنا الكبير بطفولة ويقول: لا طبعا...
في رواية شرق النخيل قلت في سطرها "يا صديقي في داخل كل شعب جماعة تنبح وراء ما يلقي لها العظمة، بل في داخل كا انسان ذلك الكلب الذي ينبح والمهم ان نخرسه " ماذا كنت تقصد بشكل عام؟
- هذه الصورة موجودة طول الوقت في حياة الشعوب، كانت هذه الرواية عن القضية الفلسطينية وموقفنا من القضية الفلسطينية، وكان يدهشني في وقت الانتفاضة الخيانة، لكن عندما أفكر أجد أن هذا رد فعل طبيعي هناك دائما من يكون في انتظار هذه العظمة.
في واحة الغروب قلت: كنت احلم أن تستقر النفس اخيرا، فلماذا لم يأت الاستقرار أبدا؟ لماذا هو مراوغ وبعيد؟ " كيف يمثل الاستقرار في حياتك؟
- سؤالك أثار في نفسي شجونا ويعدني الي ذلك الطفل بداخلي ويكرر كاتبنا السؤال " لماذا الاستقرار مراوغ " اننا قد نقضي عمرنا كله نبحث عن الاستقرار فنكتشف اننا نسير عكس الاتجاه وضحك كاتبنا بطفولة نادرة الصدق أنا شخصيا ليس لدي اجابة جاهزة لهذا السؤال ويكرر كاتبنا السؤال لماذا الاستقرار مراوغ وبعيد.. وأقاطع كاتبنا صمته: هل الاستقرار له علاقة بالموت او باليقين في حياة الانسان فقال كاتبنا وقد تهلل وجه: هو أقرب الي هداية القلب ان يكون في قلبك ايمان ويقين.
في احد حواراتك قلت: انا لا اعيد العوالم التي انتجها من قبل في رواية، وهناك اخرون تكون لهم عوالم محددة يستنسخون منها رواياتهم، أحب هذا كقارئ لكن كمبدع لا؟ ماذا تقصد؟
- هناك كتاب ينجحون في خلق عالم ابداعي معين ويستنسخون هذا العالم ليكون أعمق وأغني وأكثر ثراء وهناك كتاب اخرون وأنا منهم يبتدعوا عوالم جديدة ولا يحبوا ان يخوضوا في نفس النهر مرتين، انا لا اريد تكرار تجاربي الابداعية وهذا سبب قلة انتاجي
كيف تولد الرواية بداخلك ومتي تعرف انها رواية او انها قصة قصيرة؟
- مازلت أقول أن أرقي فنون السرد هي القصة القصيرة لأنك تقول فيها كل ما تريد قوله في الرواية الطويلة بشكل مكثف، ودائما أقول أن القصة القصيرة أقرب الي الشعر، وأتعجب من ناس كثيرة تعتبر القصة القصيرة كنوع من الحواديت للأحداث، انني اري القصة القصيرة دفقه شعورية لذلك لا يوجد كثير تشيكوف ويوسف ادريس
لماذا الرواية ليست في صعوبة كتابة القصة القصيرة؟
- لان ما تريد قوله في حيز قليل من الصفحات يقال في مئات الصفحات، حيث لديك الوقت والمساحة، والقصة القصيرة أصعب في الكتابة وماركيز له مقولة في هذا الامر يقول: لا احمل هم الرواة الطويلة لانني بمجرد ان ابدأ فيها استمر دون توقف اما القصة القصيرة فأنا أحمل همها.
هل هناك توافق روحي بينك وبين تشيكوف؟
- اكيد يوجد توافق بيني وبين تشيكوف مثل ناس كثير، وعندما زرت موسكو عام 1970بحثت عن قبر تشيكوف ووجدته يشبه صاحبه.. قبر متواضع وصغير في مقابر موسكو العادية.لقد اعادني سؤالك الي تشيكوف كان له قصة رائعة اسمها " السيدة صاحبة الكلب " جعلني افكر طول الوقت بكتابة قصة يكون فيها الكلب والسيدة وكتبتها في احد مجموعاتي القصصية بعيدة عن قصة تشيكوف واسميتها " حديقة غير عادية "
القراءة هي السبيل الوحيد للمعرفة، والمعرفة هي الطريق الصحيح للتغير "؟ ما تعليقك؟
- اكيد.. استطيع ان احسم ان مستوي القراءة زاد بشكل كبير بين شباب اليوم وإلا ما كان كل هذا الابداع المتدفق بعيدا عن ظاهرة الاكثر مبيعا لأنها ليست بالضرورة هي الكتب الأفضل مثال الكاتبة دانيال استيل تمثل كتبها اعلي مبيعات في العالم ولكني لا استطيع ان اكمل لها رواية لكن اجاثا كريستي حكاية اخري فانا من عشاقها
المثقفون والمفكرون هم القادرون علي رسم خريطة المستقبل لأنهم يمتلكون الرؤية المستقبلية؟ فما رأيك؟
- اعتقد انهم الأقدر علي نقد عيوب الحاضر ومن خلال هذا النقد يمكن ان يرسم السياسيون خرائط المستقبل حيت يشيروا الي ما يمكن ان يتجنب في الغد حين نسير في طريق مستقيم وليس في طريق متعرج.. هذا دور الادب,, النقد الحياتي للواقع بما يرسم الطريق الافضل للمستقبل لكن هناك بعض الانظمة تفهم دور الادب ونظم أخري تراه نوع من التجريح و الانتقاد وقد عبر موليير كاتب فرنسا المعروف عن وظيفة الأدب حين قال:أنه يبن عيوب الحاضر لكي يتجنبها في المستقبل.
كيف تري علاقة المثقف بالسلطة؟
- علاقة مضادة.. أي سلطة لاتحب ان ينتقدها أحد لا مصر ولا في خارج مصر لكن بقدر فهم ووعي الحاكم لوظيفة الادب بقدر نجاحه كحاكم، لا شك ان نجاح ديجول كان عندما قام بتعيين الكاتب الاشتراكي الروائي والمفكر أندريه مارلوب وزيراً للثقافة في وزارة اليمين الديجولي إثر الدمار الذي لحق بفرنسا بعد الاحتلال النازي لها، ابتسم الجنرال وبكل هدوء القائد المنتصر في الحرب وهو يري بلاده مدمرة وخارجه من حرب دمرت فيه التراث الفرنسي وأهم المباني الأثرية المهمة إضافة إلي الآلاف من القتلي والجرحي.
قال ديجول: نحن بحاجة ماسة لوجود هذا المثقف، فهو من سيبني المجتمع الفرنسي لأن الثقافة هي الأساس الصلب في عملية البناء، وهنالك عبارة أخري للروائي الإسباني ووزير الثقافة الراحل اخورخي سيمبرونب يقول »الذي لا يوصف هو ما لا يمكن السكوت عنه« إن الزعماء الذين يريدون أن يبنوا أوطانهم لابد أن تكون أمام أعينهم هي كيفية بناء الأجيال القادمة ثقافياً لأن الثقافة هي التي تؤسس الحياة المجتمعية، وهي التي تؤمن بالوطن وبالمواطنة وبالحضارة لقد وعي ديجول خطورة دور الثقافة في بناء الوطن، واعتبر أنه أمام حرب ثقافية بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.