حاز ملف السياسة الخارجية المصرية اهتمام حزب الحرية والعدالة منذ بداية نشأته، وقد طورت لجنة العلاقات الخارجية بالحزب صياغتين خلال فترة رئاسة الرئيس د. محمد مرسي للحزب، الأولي عند إعداد برنامج الحزب، والثانية تم تطويرها بناء علي حصيلة عام من العمل واللقاءات المكثفة مع الساسة والدبلوماسيين والبرلمانيين من جميع دول العالم داخل وخارج مصر، وتضمن البرنامج الانتخابي للرئيس هذه الصياغة الثانية. وقد عكفت مؤسسة الرئاسة، انطلاقاً من مسئوليتها الدستورية علي ملف العلاقات الخارجية، وبالتنسيق اللصيق مع وزارة الخارجية، علي إعداد صياغة ثالثة لهذه الرؤية، تتناسب مع مرحلة جديدة من تاريخ مصر، وتنطلق أهدافها من روح جديدة للدولة والمجتمع لتحقيق دور خارجي لمصر أكثر رحابة وفاعلية في محيطها الاقليمي والدولي، وكذا أكثر تواصلاً مع دوائر انتمائها المختلفة. وقد شاركت لجنة العلاقات الخارجية للحزب بفاعلية في استكمال هذه الرؤية مع مؤسسة الرئاسة، والتي عقدت العديد من جلسات العمل شارك فيها ممثلون عن وزارة الخارجية والأمن القومي ووزارة الدفاع مجلس الشوري، بالإضافة إلي عدد من الدبلوماسيين وأساتذة العلوم السياسية المتخصصين، من ذوي التوجهات الفكرية والسياسية المختلفة. وقد بدأت مؤسسة الرئاسة بإطلاق مبادرة إنشاء »المنتدي المصري للسياسة الخارجية« والتي سيتم من خلالها عقد عدة لقاءات تجمع جميع الجهات ذات الصلة ومختلف الأطراف المجتمعية ذات الاهتمام والارتباط، سعياً لتطوير هذه الرؤية وتضمينها أبعاداً جديدة، ودعمها وتبنيها من الأطراف الوطنية المختلفة الفاعلة في هذا المجال، وقد عقد أول هذه اللقاءات يوم 32 فبراير 3102 وضم، بالإضافة إلي العاملين علي ملف العلاقات الخارجية وممثلين عن القوات المسلحة والأمن القومي والمجلس المصري للشئون الخارجية وعدد من الدبلوماسيين والأكاديميين والمفكرين ذوي الخبرة، وشارك فيه كاتب هذه السطور. وناقش اللقاء الذي استمر علي مدار يوم كامل تأصيل هذه الرؤية، والاستراتيجية المرحلية للسياسة الخارجية، والتي من المهم البدء في طرحها مجتمعياً وفتح باب النقاش حولها، وقد آلت أن أعرض أهم ملامح هذه الرؤية من خلال الحيز المتاح في هذا المقال، علي أن تتضمن مقالات أخري تفصيلات عن هذه الرؤية وكذلك عن أهم المحاور المقترحة للعمل خلال العامين القادمين. يتمثل التوجه العام الذي تتحرك في إطاره السياسة الخارجية ما بعد الثورة في المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار والنمو الداخلي، والمشاركة الإيجابية في بناء واقع جديد للمنطقة والنظام الدولي، يؤدي إلي عالم أكثر سلاماً وحرية وعدالة، مستنداً إلي منظومة القيم والمبادئ المصرية الأصيلة. ويتطلب تعريف الرؤية الكلية الجديدة للسياسة الخارجية المصرية تحديد الصورة التي نطمح في تحقيقها خلال العشرين عاماً القادمة، والتي تتضح في هذا الطرح من خلال أبعاد ثلاثة أساسية لوضع مصر علي الساحة الدولية، وهي أن تكون مصر: أولاً دولة صاحبة ريادة اقليمية ومكانة عالمية، وثانياً دولة صاحبة نموذج حضاري متميز، وثالثاً دولة تجعل تمكين المواطن المصري هدفاً أساسياً لها، وهو بعد جديد ومهم لدور السياسة الخارجية تبرز الحاجة إليه كثمرة مباشرة لثورة الخامس والعشرين من يناير. وانطلاقاً من هذه الرؤية، فإن أهداف حركة السياسة الخارجية بعد الثورة تتمثل في أربع نقاط أساسية: دعم النمو الداخلي والخروج من الأزمة الاقتصادية، والحفاظ علي الأمن القومي المصري، تحقيق التوازن والاستقلال والتأثير السياسي في العلاقات الخارجية، والتعريف بالمشروع الحضاري المصري كمرجعية إنسانية مهمة وتحقيق الريادة من خلالها. ولعل الفرصة تسنح في القريب لعرض المزيد من التفصيلات تمهيداً لنقاش مجتمعي واسع يسمح باتضاح الرؤية والتوافق علي أهم مستهدفاتها ومحاور حركتها في المدي القريب والمتوسط والبعيد.