ابحث عن الدوافع وراء كل سلوك لانه اذا عرف السبب بطل العجب.. وان الشاطر من يفهم دوافعه ودوافع الاخرين.. و»صورة« او شكل الدافع تتغير وتتطور من جيل الي جيل.. فكان قديما يبرز بالقوة البدنية ولكنه الان يبرز بالحيلة.. يبرز الإنسان بالقدرة علي الكلام والتأثير او القدرة علي الدس والخديعة. فالطفل الذي يولد في القرن العشرين في النصف الثاني منه خاصة وحوله السينما والاذاعة والتليفزيون والطائرة والصاروخ والآلات الدقيقة التركيب وحوله التشابكات الاجتماعية المعقدة والتشابكات السياسية الدولية والمحلية المتقلبة من لحظة الي لحظة.. ساعة تجنح الي السلام وساعة تجنح الي الحرب.. هذا الطفل يتصور البعض انه انضج ولاشك في »معلوماته« وفي بعض مشاعره وتصوراته وأفكاره من رجل بالغ من الزمن الماضي.. ولكننا نكون مخطئين الي حد مضحك اذا تصورنا ان هذا الطفل انضج في مجموعة نفسه من ذلك الرجل! فهو طفل مهما يكن من نمو مدركاته.. يتناول الحياة بنفسية الطفل ومطالب الطفل وتصورات الطفل.. وذلك الرجل رجل بالغ مجرب ناضج في مجموع نفسه بمقدار ما تتيح له بنيته الخاصة من النضوج. ان التقدم العلمي ينضج حقا بعض جوانب النفس ولكنه- بمفرده- لا يصلح للحكم علي مدي النضوج واتجاهه.. وقد وقع الكثيرون في هذه الضلالة حين بهره التقدم الذي ينقلك في لحظة عبر العالم تسمعه وتشاهده وتشاركه في الاذاعة او التليفزيون او التليفون اللاسلكي او التليفون المحمول والانترنت.. فيفتح لك نوافذ متعددة علي العالم تري منها ما لم تكن تحلم ان تراه لو قضيت عمرك كله في الاسفار هذا وانت جالس في مكانك لاتبرحه .. هذا التقدم كله ماذا يؤثر في نفسية انسان القرن العشرين؟ فقد اصبح يعيش الضحالة المزرية التي لا تطيق التعمق في المعرفة ولا التعمق في المشاعر ولا التعمق في الافكار وانما تريد ان تأخذ الامور كلها من سطوحها قفزا قفزا كالطائر المجنون. هذه التفاهة »الجزئية« في الحكم علي الامور لا تطيق النظرة الشاملة بل تحيل المشاعر والافكار والاعمال الي نشاط آلي كنشاط الالة. زر يضغط عليه فتنطلق اعمال. زر يضغط عليه فتنطلق افكار. زر يضغط عليه فتنطلق مشاعر. اقرب الي مشاعر الحيوانية.. انها حصيلة تحويل الانسان كله الي آلة تعمل في نطاق الحس القريب.. انها اختلال نفسي لامثيل له.. ولقد اصبح من الهام جدا في العصر الحديث معرفة الدافع او القصد المتخفي وراء اي شئ او بين السطور وقد اصبح الساسه يهتمون بمعرفة الهدف والدافع الاساسي وراء فكر وسياسة اجهزتهم الاعلامية والاقتصادية ما هو المقصد وما هو المرجو من هذه القناة او هذه الاذاعة او هذه الجريدة.. واتمني ان يكون الجميع من الذين يتلقون الرسائل الاعلامية من مختلف الوسائل علي دراية بالدافع الحقيقي وراء اي برنامج او ما يقال فيه. فاهم شئ هو الذكاء الاجتماعي الذي لدية القدرة علي معرفة الدوافع حتي المتخفية منها حتي لا يكون فريسة للخديعة والحيل وياحبذا لو يستخدم ذكاءه حتي لا يتعرض لأزمة الاتصال بينه وبين الناس وحتي لا يدخل في ازمة فهم الدوافع.