9 ساعات فقط قضاها الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية في برلين يوم الأربعاء في زيارة سريعة لألمانيا ولكنها كانت حافلة باللقاءات والمباحثات الإيجابية ، وفي طقس ألمانيا البارد جداً هذه الأيام والذي تصل درجة الحرارة فيه إلي 10 درجات تحت الصفر لم يشعر الوفد المصري الذي ضم وزراء الخارجية والصناعة والتجارة الخارجية والتخطيط والتعاون الدولي والاستثمار ومساعدي الرئيس للشئون الخارجية والمصريين بالخارج وأكثر من 250 رجل اعمال سوي بحرارة الاستقبال ودفء العلاقات.. هذه الزيارة التي جاءت تلبية لدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت ناجحة بكل المقاييس وساهمت بشكل إيجابي في إعادة تشغيل الماكينات الألمانية لدعم الاقتصاد المصري ومساندة مصر في مرحلة التحول الديمقراطي. في قصر المستشارية ببرلين علي الفور بدأت جلسة مباحثات موسعة ومطولة بين الرئيس والمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل استغرقت اكثر من ساعتين، استعرض خلالها الزعيمان آفاق التعاون الانمائي الذي يتضمن برامج الدعم الفني والمالي الألماني لمصر لعام 2013، بالإضافة إلي نصيب مصر من مخصصات برنامج التحول الديمقراطي والذي تبلغ قيمته حوالي 70 مليون يورو، فضلا عن حصة ألمانيا في الدعم الذي سيقدمه الاتحاد الأوروبي لمصر لمساندة عملية الإصلاح اقتصادي وقيمته 5مليارات يورو، وحصة ألمانيا فيه 25 ٪ بما قيمته المليار وربع المليار يورو، وهو الأمر الذي يجعل برلين شريكاً هاماً ومحورياً. لم يترك الرئيس تساؤلاً إلا وأجاب عليه خلال المباحثات أوضح لرئيس مرسي ان ما تشهده مصر علي صعوبته يأتي ضمن السياق المفهوم للثورات حيث تجتمع القوي علي رأي وإرادة واحدة لإسقاط النظام الفاسد واكد الرئيس أن ما شهدته مصر من خطوات يرسي آليات تداول السلطة مشيراً إلي أن هذا يفسر المقاومة الشديدة من الرافضين لبناء مؤسسات ديمقراطية وإجراء الانتخابات واقرار الدستور وإرساء دعائم السلطة من مجلس نواب وشوري ودستور ومؤسسة رئاسة ومن هنا يمكن فهم الكثير من أحداث العنف التي سبقت كل مرحلة من مراحل إرساء دعائم الديمقراطية. وأكد الرئيس خلال مباحثاته مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إيمانه بأهمية الحوار الوطني لاحتواء جميع الأطراف التي ساهمت بإخلاص في الثورة والتوافق علي المصلحة الوطنية التي تقود لبناء المجتمع الذي ننشده. تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في المؤتمر الصحفي العالمي الذي حضره الزعيمان وشارك فيه أكثر من 100 صحفي ومراسل أكدت أن المباحثات كانت ناجحة وبناءة وأن زيارة الرئيس قد آتت ثمارها ومن جولتها الاولي، حيث قالت ميركل: إننا نتمني نجاح عملية التحول الديمقراطي.. مؤكدة ان انهاء الوضع الاقتصادي الهش لمصر هو الضمان لاستقرار الوضع السياسي. وأضافت المستشارة الالمانية: مصر صوت هام ويمكنها إضافة مساهمة هامة وشكرت الرئيس مرسي علي نجاحه وقف إطلاق الصواريخ من غزة علي إسرائيل وقالت ميركل: نحن نؤمن أننا يمكننا المساعدة لإنجاح التحول الديمقراطي في مصر سواء سياسيا من خلال الدعم والتواصل الرسمي والإسهام في الحوار بين الفصائل السياسية وأيضاً اقتصاديا من خلال الدعم التنموي الي جانب المسئولية في القضايا الدولية مثل القضية الفلسطينية. فور انتهاء المباحثات الثنائية الرسمية مع أنجيلا ميركل توجه الرئيس لوزارة الاقتصاد الألمانية، حيث حضر الجلسة الختامية لمنتدي رجال الاعمال المصري الألماني في دورته الأولي بمشاركة أكثر من 320 شركة منها 220 شركة ألمانية وممثلي حوالي 100 شركة مصرية تعمل في مختلف المجالات السياحية والتجارية والصناعية، وتضمن المنتدي عقد 3 ورش عمل في مجال السياحة والبنية الاساسية والصناعية ضمت رجال الاعمال من كلا البلدين وتم عقد اجتماعات ثنائية، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هي العديد من المكاسب الاقتصادية، حيث قام المهندس حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية بعقد لقاء ثنائي مع نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد والتكنولوجيا السيد روسلر تناول فيه سبل تطوير العلاقات بين البلدين وكيفية الاستفادة من الخبرة الألمانية في مجال التدريب المهني والفني، ونقل التكنولوجيا، المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وصناعة المعارض، وفي هذا الاطار تم توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي بين البلدين، فضلاً عن 3 مذكرات تفاهم، اثنتان منهما بين جمعية ريادة الاعمال الالمانية وكل من جمعية شباب الاعمال المصرية ومركز تحديث الصناعة، فضلا عن مذكرة تفاهم تم توقيعها بين كل من جمعية " ابدأ " والغرفة الالمانية العربية للصناعة والتجارة. وفي كلمته أمام منتدي رجال الاعمال لم يوجه الرئيس خطابا إنشائياً، بل وجه رسالة طمأنة حقيقية وبالأرقام للمستثمرين الألمان ولكل من يرغب في الاستثمار بمصر، مؤكداً علي أن مناخ الاستثمار في مصر مؤهل لجذب المستثمرين نظراً لاتساع السوق المصري وارتباطها بالدول العربية وباعتبارها البوابة الرئيسية للدول الافريقية.. حيث قال الرئيس: ان الاقتصاد المصري بدأ في التعافي وقد حقق مؤشرات إيجابية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي بارتفاع معدل النمو الي 6.2 في المائة مقارنة بنسبة 3.0 ٪ خلال الفترة نفسها من العام الماضي، كما زادت قيمة الاستثمارات المنفذة خلال نفس الفترة الي ما يقرب من 50 مليار جنيه بمعدل زيادة بلغ 1.11 ٪. كما أكد الرئيس أن التوقعات تشير إلي أن معدل النمو في مصر سيصل خلال العام المالي الحالي إلي 3.8 في المائة مقارنة ب 8.3 ٪ خلال العام الماضي ، مع إمكانية ان يصل الي 5.5 ٪ خلال العام المقبل وقال: يحدونا الأمل في تحقيق معدل نمو خلال السنوات القليلة القادمة يصل الي ثمانية في المائة لتوفير حوالي 750 ألف فرصة عمل جديدة سنويا. واكد مرسي ان مصر تقف علي أعتاب مرحلة انطلاق اقتصادي يضعها في المكانة التي تليق بها وتتناسب مع الموارد البشرية والإمكانات الهائلة التي تذخر بها، وقال ان ذلك دفع الخبراء الي توقع ان تأتي مصر علي رأس قائمة اهم عشر اقتصادات بازغة في العالم خلال السنوات القادمة. وفي نفس توقيت المنتدي الاقتصادي كان د. أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي قد انهي مباحثاته مع ديرك نيبل وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الالماني للاتفاق علي تفاصيل برنامج التعاون الفني والمالي بين البلدين لعام 2013 والذي ستقدم ألمانيا بمقتضاه مخصصات للتعاون المالي والفني مع مصر لهذا العام تبلغ قيمتها نحو 354 مليون يورو. دقائق قليلة عقب لقائه برجال الاعمال وكان الرئيس مرسي في البرلمان الالماني "البوندستاج"، حيث التقي مع رئيس البرلمان د. نوربرت لامرت وهو ثاني أهم شخصية في ألمانيا لمدة نصف ساعة لشرح رؤية مصر تجاه تطورات الأوضاع في الداخل ثم انتقل الرئيس بعد ذلك كما صرح السفير محمد حجازي سفير مصر في برلين ليشارك في جلسة أخري موسعة شارك فيها 118 برلمانياً والعديد من الباحثين البرلمانيين حيث أجاب الرئيس علي جميع أسئلة البرلمانيين حول مستقبل الحوار الوطني والعلاقة بين الحكم والأقليات رافضا مصطلح أقليات مؤكدا احترام الدستور ومؤسسات الدولة للمرأة المصرية التي تعد نموذجاً مشرفا ومحترماً مؤكداً علي احترام ثورة مصر لحقوق لإنسان ومشيراً إلي عدم وجود سياسة ممنهجة لاستخدام العنف من قبل الدولة وكانت جلسة مصارحة ومكاشفة. الفكر والسياسة بعد أن اطمان الرئيس علي أن زيارته قد حققت نتائج اقتصادية وسياسية جيدة، كان حريصاً علي الاجتماع مع حوالي 200 من كبار رجال الفكر والثقافة والسياسة ورموز الإعلام الألماني وأعضاء مؤسسة كوربر البحثية وهي أكبر مؤسسة بحثية في ألمانيا ولها تاثير كبير علي صناعة القرار السياسي في ألمانيا وأوضح الرئيس أنه لعقود طويلة ساهمت الدول الغربية في مد أجل أنظمة حكم استبدادية.. تارة بدعوي الاستقرار وتارة أخري بدعوي مكافحة التطرف، والنتيجة الحتمية لكل ذلك كانت هي تأخر هذه الشعوب، وعقب انتهاء الرئيس من كلمته تم فتح حوار مفتوح بين الرئيس وأعضاء المؤسسة وإدارة جورج ناسكلو رئيس تحرير مجلة دير شبيجل الالمانية، وكان الرئيس قويا وصريحاً وواضحاً في ردوده. حوار من القلب كعادته في جميع زياراته للخارج كان الرئيس مرسي حريصا علي الاجتماع بأبناء الجالية المصرية في ألمانيا، وعلي الرغم من الجهد المتواصل الذي بذله طوال 7 ساعات من المباحثات الرسمية، إلا أنه اصر علي الجلوس مع أبنائه والاستماع لهم ولمشاكلهم وكان حواراً من القلب استغرق ما يقرب من ساعتين. ودعا الرئيس أبناءه إلي تبني حملة " ادخر في مصر " لكل المصريين في الخارج وذلك لدعم الاقتصاد المصري، مشيراً إلي أنه يشكر جميع أبناء مصر في الخارج والذين وصلت مدخراتهم في البنوك المصرية لحوالي 19 مليار دولار.. وعقب ساعتين من الحوار المفتوح انصرف الرئيس مرسي من اللقاء علي دعاء ابناء الجالية له بالتوفيق في مهمته الصعبة وطالبوه بالضرب بيد من حديد علي يد كل من يريد إيقاف المسيرة المصرية وهتفوا " بنحبك يا مرسي "