أعتقد أنه قد يصبح من السذاجة أن يجدد البعض مطالباته للولايات المتحدةالأمريكية بممارسة الضغط علي إسرائيل. ذلك أن الحقيقة التي يبدو أننا جميعاً نرفض تصديقها، أو حتي التعامل انطلاقاً منها، هي أن أمريكا لا تستطيع الضغط علي إسرائيل قولاً وعملاً. إسرائيل تؤكد كل يوم، ومنذ نبتها الشيطاني في أرضنا العربية، أنها تملك مفاتيح كل شيء داخل الولاياتالمتحدة. ومن هنا فإننا كعرب مطالبون بإعادة تقييم الموقف، وعدم الارتكان إلي أي ضغط أمريكي، قد يجبر إسرائيل علي اتخاذ خطوات قد تراها تضر بمصالحها. وليس أدل علي هذه الحقيقة من الموقف الأمريكي الحالي من التعنت الإسرائيلي، بعدم تجديد فترة وقف بناء المستوطنات، والتي قد تلحق ضرراً بالغاً بمفاوضات السلام، التي يبدو أنها قد تتوقف قبل أن تبدأ. حقيقة تعاملنا مع إسرائيل لابد أن تخرج عن حيز ونطاق التفكير التقليدي، إلي حيز الواقعية وتبادل المصالح، وعدم الانقياد وراء وهم أن هناك أي قوة تستطيع أن تضغط علي إسرائيل، سواء كانت أمريكا أو الرباعية الدولية أو روسيا، أو أي منظمات دولية. لم يتوقف البعض منا أمام تصريحات ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي بالأمم المتحدة، والتي طالب فيها بضرورة التخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام، في مفاوضات الوضع النهائي، والتي استبعد أن يتم التوصل إلي اتفاق بشأنها خلال عام، مقترحا بالمقابل اتفاقاً انتقالياً يدوم عقوداً، وكيف رد عليه نتنياهو بأنه أي وزير خارجيته لا يمثل وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية. أرأيتم في الدنيا وزيرا للخارجية لا يمثل وجهة نظر بلاده؟! سؤال يصبح نوعاً من السذاجة طرحه، لكنه - للأسف الشديد - يمثل جوهر هذا الكيان الإسرائيلي، الذي يضرب كل يوم المثل في خروجه عن أي شرعية أو قانون أو منطق. لم يتوقف البعض منا أمام ما سمته الحكومة الأمريكية حزمة من الحوافز، تسعي لتقديمها لإسرائيل لإقناعها بوقف عمليات الاستيطان لمدة شهرين. فإسرائيل تؤمن إيمانا عميقا، بأن لكل شيء ثمنا، والعالم كله يعرف هذه الحقيقة، ويعرف أيضاً أن القرار الإسرائيلي يتم وفق ما تراه من مصالح، دون أدني خضوع لأي ضغط دولي. من هنا يثور سؤال مهم، حول موقف المفاوض الفلسطيني، والذي سوف تتحدد معالمه في اجتماع لجنة المتابعة بجامعة الدول العربية، من خلال الرؤية التي يقدمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. البعض يطالب بقطع المفاوضات، كرد عملي ووحيد علي التعنت والتنصل الإسرائيلي من استحقاقات السلام! البعض يطالب بممارسة ضغط عربي علي أمريكا أو الرباعية الدولية، للضغط علي إسرائيل. البعض لايزال يعتقد أن لأوروبا دوراً مهماً يمكن أن تمارسه في الضغط علي إسرائيل، ولكن للأسف الشديد تبقي الحقيقة المرة، وهي أن إسرائيل لا تنصاع لأحد، ومن هنا فإن قدرة المفاوض الفلسطيني علي الإسراع بالدخول في صميم القضايا الخلافية، وعدم التوقف أمام العراقيل التي تهدف في المقام الأول لوقف عملية التفاوض، وإلقاء المسئولية علي الجانب الفلسطيني يصبح خياراً استراتيجياً، يدعمه ويسانده دخول الأشقاء الفلسطينيين في مصالحة حقيقية، تجعلهم أكثر قوة وصلابة خلال مراحل التفاوض القادمة. قانون رادع لا أعتقد ان مجرد الشجب والإدانة أو الاعتذار والأسف، كفيل بوضع حد لمحاولات إثارة الفتنة الطائفية، والتي تشكل خطراً داهماً سوف نندم جميعاً وكثيراً إن نحن تهاونّا في التعامل معها وإزالة أسبابها. لقد أصبحت هناك حاجة ماسة لقانون رادع، يختص بالتعامل مع هذه القضية، ويردع أصحاب النفوس المريضة، الذين لا يدركون خطورة العبث بوحدة عنصري الأمة. تكررت أحداث مشابهة طوال السنوات القليلة الماضية، ولم يخرج التعامل معها علي كونه نوعا من المسكنات والمهدئات، التي لا تصل إلي أصل الداء، ولكنها تضفي شعوراً زائفاً سرعان ما يكشفه انتشار الداء، ووصوله إلي مراحل يصعب تداركها. لقد سبق ان تناولت هذه القضية الخطيرة في مقالي بأخبار اليوم يوم 92 أكتوبر عام 5002، بعنوان »ياصبر أيوب«، وقلت فيه ان كلمة الوحدة الوطنية تحتاج إلي مراجعة شاملة، لأنها لا يمكن ان تكون شعاراً بلا مضمون أو جوهر. ذلك ان المشاعر الدينية هي أقوي محرك لسلوكيات البشر، بغض النظر عن دينهم، ويصبح التلاعب بها أكبر خطر يتهدد أبناء الشعب الواحد. وما قلته منذ 5 سنوات يتجدد الآن، ويمكن ان يحدث أيضاً مستقبلاً ان نحن تهاونّا في التعامل معه، والاكتفاء باعتذار خجول يقدمه مسلم لمسيحي أو مسيحي لمسلم، دون أن ندخل مباشرة في جوهر أي خلاف إن وجد. الوحدة الوطنية هي إحدي الركائز الأساسية في الأمن الاجتماعي، وبالتالي تظل مطمعا وهدفا لكل من يحاول النيل من مصر، ويصبح الضرب بيد من حديد علي من يسعي للنيل منها واجبا وطنيا، وضرورة ملحة يتفق عليها المسلمون والأقباط علي حد سواء. طالبت بإنشاء هيئة أو مجلس مشترك يرأسه فضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا، ويضم نخبة من رجال الدين والفكر والقانون المسلمين والأقباط، تكون مرجعية عليا يمكن الرجوع والاحتكام إليها في أي أمور خلافية دينية، مع التأكيد الصارم والحازم بأن المسجد والكنيسة لا يمكن - بأي حال من الأحوال - ان يكونا بديلاً عن سلطة الدولة، التي تحظر تماماً، ومنذ فترة طويلة، استخدام الدين في السياسة. الحاجة الآن أصبحت ماسة لمشاركة رجال التربية والتعليم - مسلمين وأقباطاً - في وضع وتصويب بعض المفاهيم الإسلامية والمسيحية، وصولاً إلي جيل لا يتغني بالوحدة الوطنية، ولكنه يمارسها سلوكاً وفعلاً وقولاً وعملاً، وان تتسع المناهج التعليمية للقيم السامية والتعاليم النبيلة، التي يتفق فيها الدين الإسلامي والدين المسيحي. إن قانون الإرهاب الجديد - الذي يتم الإعداد له - لابد أن يتسع لعقوبات رادعة، ضد كل من يحاول العبث بالوحدة الوطنية قولاً أو سلوكاً، لأن مسألة المساس أو خلق تصادم بين الأديان، تمثل أقصي أنواع الإرهاب الذي تحاول فئة قليلة - لا تعد علي أصابع اليد الواحدة - ان تفرضه، في محاولة مكشوفة للمساس بوطن يؤكد كل يوم قدرته وقوته المستمدة من قوة شعبه وقيادته، وما يمثله ذلك من أرق دائم لبعض القوي الخارجية، التي تسعي للهيمنة وتصدير الصراعات. الإعلام المصري مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضي، بتقديم رسالة جديدة قلباً وقالباً، تتناول التجسيد الحقيقي للوحدة الوطنية المصرية، وعدم الاكتفاء بالقشور دون خوض في جوهر هذه الوحدة، والتأكيد علي أهمية ترسيخها في وجدان المصريين، لتصبح سلوكاً يستطيع وأد أي محاولة للفتن في مهدها. لقد تابعت - بكل الأسي والحزن - تفاهات بعض المفكرين ورجال الدين، الذين دخلوا في عراك إعلامي، لا يمكن أن يحسب إلا في نطاقه الفردي. وللأسف الشديد، دخلت بعض القنوات الفضائية والصحف الخاصة في جدال سقيم، ساهم في إذكاء روح الفتنة. وهو الأمر الذي حذر منه السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني، ورئيس المجلس الأعلي للصحافة، والذي سارع بعقد اجتماع طاريء لهيئة مكتب المجلس، شدد خلاله علي خطورة التناول الإعلامي، الذي يذكي روح الفتنة والانقسام، مؤكداً ان الوحدة الوطنية بمصر خط أحمر، لا يمكن المساس به أو تجاوزه. واعتقد جازماً ان المجلس الأعلي للصحافة سوف يراقب عن كثب التناول الإعلامي لهذه القضية، خلال المرحلة القادمة، وإن كان القانون لا يعطي للمجلس الأعلي للصحافة حق المحاسبة القانونية، إلا ان للمجلس أدواته ووسائله التي تعيد الأمور إلي نصابها. وجاءت دعوة أنس الفقي وزير الاعلام للفضائيات، بضرورة الابتعاد عن إثارة القضايا العقائدية، أو أي أمور تذكي روح الفتنة الطائفية، وشدد علي ضرورة الالتزام بالموضوعية وميثاق الشرف الاعلامي. وحذر من أنه لن يتم السماح بوجود أي تجاوزات علي قنوات التليفزيون، أو عبر القمر الصناعي نايل سات، ونأمل جميعاً أن تجد هذه التحذيرات إستجابة سريعة من القائمين علي هذه المحطات. وقد تم أمس بالفعل وقف بث قناة البدر، لمخالفتها ضوابط الترخيص المصرح لها به.