كان ياما كان في سالف العصر والأوان بلد جميل نظيف يتمتع أهله بالطيبة والألفة والحب والخوف علي بعضهم، متحابين يعيشون في سلام وأمان يزرعون ويحصدون ويصنعون ويصدرون ويتاجرون وكان الناس في جميع بلدان العالم يحسدونهم علي ترابطهم وخيراتهم وكنوز أرضهم وتاريخهم وحضارتهم. ولصفاء جوهم وخصوبة عقولهم كان منهم الأدباء والعلماء والمفكرون والمبدعون الذين أذهلوا العالم لأنهم كانوا منارة للعلم والمعرفة نشروا نورهم فأضاء ما حوله، كانوا يقيمون احتفالات ومهرجانات وأعيادا لتكريم المبدعين والمفكرين والفنانين ولكثرتهم كانت احتفالاتهم لا تنتهي. ولجمال هذا البلد ووفرة خيراته وسماحة أهله كان دائماً هدفاً للطامعين من مشارق الأرض ومغاربها فحدثت له كبوات ودنس أرضه الضغاة والبغاء والمستعمرون ولكنهم دائماً ما كانوا يرحلون أمام وحدة وصمود أهله وحتي وهم يقيمون فيه كانوا يحافظون عليه ويبذلون جهد ايمانهم للحفاظ علي جماله بل والأكثر من ذلك كانوا يزيدون هذا الجمال بإقامة صروح جديدة لخدمتهم أولاً ولكنها في النهاية هي تعمير واصلاح ورقي لصالح البلد وأهله. وفجأة وبدون سابق إنذار انقلب الحال وتفرق الجمع وأصبح كل أخ يتربص بأخيه اختفت الطيبة والتسامح ودماثة الخلق وطفح علي الوجه الغل والحقد والكراهية والبغضاء والتناحر والتنازع علي كل شيء واللا شيء.. هرب الأمن والاستقرار ومعه السمعة الطيبة وحل بدلاً منه الرعب والرهبة والخوف والتخوين والشك في أقرب الناس. اختفت الرحمة وحل مكانها العنف والبلطجة فسفكت الدماء وهانت الأعراض وسلبت الأرواح والأموال والغيت لغة الحوار والتفاهم بين أهله. وأهين أهل القلم والأدباء والشعراء والعلماء والفنانون واستبيح كل شبر في هذا البلد الطيب لعرض زبالة العالم من الملابس القديمة وتراكمت الزبالة والحشرات في كل المواقع حتي أصبح هذا البلد رمزاً للقذارة ما بين كل شعوب الأرض الغني منها والفقير!. تلك كانت »الحدوتة« التي سترويها الجدات لأحفادهن في المستقبل لتدلل انه كانت هناك بلدة كفرت بأنعم الله فأذاقها الله العذاب وابتلاها بنقص في الأموال والأنفس والثمرات »اللهم إنا نسألك رفع غضبك عنا آمين«.