بعد ثلاثة شهور من توليه الرئاسة في أعقاب وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، بعث الرئيس أنور السادات برسالة عاجلة الي الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون يؤكد فيها ان مصر تريد السلام ويطالب واشنطن بالتحرك لتحقيق هذا الهدف. تجاهل البيت الابيض الرسالة المصرية بعد ان رفضتها اسرائيل. ويقول السيناتور الامريكي السابق بول فندلي في كتابة المهم "الخداع" ان السادات ظل طوال عام1971 يكرر دعوته للسلام ويؤكد أن البديل الوحيد امام العرب لن يكون سوي الحرب. سخرت اسرائيل من تهديدات السادات وأكدت أنها لن تنسحب من الاراضي التي احتلتها في حرب يونيو. وفي نهاية فبراير 1973 اوفد السادات مستشاره للامن القومي محمد حافظ اسماعيل في زيارة سرية لواشنطن التقي خلالها مع الرئيس نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر للمطالبة بتسوية سلمية تنسحب بمقتضاها اسرائيل من الأراضي المحتلة. وكان رد كيسينجر هو استنكار ما يطلبه قائلاً ان مصر تتحدث بلغة المنتصر وتنسي أنها خسرت حرب67 ويجب ان تنخفض حدود مطالبها الي مستوي الدولة المهزومة.. وعاد حافظ اسماعيل بهذه الرسالة المهينة الي السادات الذي استوعب تماماً مقولة عبد الناصر بأن ما اخذ بالقوة لايسترد بغير القوة. وفي أكتوبر 1973ص شنت مصر وسوريا والعرب حرب التحرير التي كانت زلزالاً اجتاح الدولة اليهودية وأطلقت جولدا مائير صرختها الشهيرة وهي تتوسل لأمريكا....انقذوا اسرائيل.. هنا فقط بدأت اسرائيل تفكر في الحل السلمي وبعد سنوات وقعت اتفاقية السلام مع مصر.. ولكن سرعان ما نسي قادة اسرائيل درس أكتوبر وعادوا لمفاهيم غطرسة القوة فضربت طائرتهم اهدافاً في العراق وسوريا وحدث الغزو الأسرائيلي للبنان عام 1982 وتم اجتياح قطاع غزة عام 2008.. ووصلت الأمور الي حد ضرب أهداف عربية في تونس والسودان وتأكد تماما أن اسرائيل أساءت فهم موقف السادات عندما قال ان حرب أكتوبر هي آخر الحروب. وقامت رسمياً بضم الضفة الغربية و القدسالشرقية والجولان واشتعلت حمي الإستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. لقد فشلت كل محاولات إقناع اسرائيل بالتخلي عن أطماعها وسياستها التوسعية لسبب بسيط هو اعتقادها أن قوتها العسكرية تعطيها الحق في ان تفعل ما تشاء دون حساب لأي رد فعل عربي.. هذا بالتحديد هوالسبب الذي يجعل اسرائيل حريصة علي تدمير أي قوة قد تشكل تهديداً لاطماعها في العراق او سوريا أوالسودان أو ليبيا أو حتي ايران لانها لاتريد فقط ان تكون القوة الأعظم بل وايضاً الوحيدة في المنطقة.. ولا شك إن اعتماد قادة اسرائيل علي القوة العسكرية في تحديد مواقفهم وسياساتهم تجاه الدول والشعوب الأخري هو المسئول عن العربدة والبلطجة الاسرائيلية التي تجاوزت كل الحدود في عدوانها الاجرامي الاخير علي غزة و ضربها عرض الحائط بكل القوانين و الأعراف الدولية و الانسانية.. ويجب أن يدرك كل من ينتقدون المجتمع الدولي ويتهمونه بالانحياز لاسرائيل أن المشكلة فيهم لسبب بسيط هو أن الأممالمتحدة علي سبيل المثال أصدرت عشرات القرارات ضد اسرائيل ولكنها صارت حبراً علي ورق لأنها تفتقد للقوة القادرة علي تنفيذها ، والعالم لن يساعد الا من يساعدون انفسهم.. باختصار ، مع اسرائيل لا جدوي من الوعظ أو النصح أوالارشاد ولاقيمة لأي سلام لا تحميه قوة تدافع عنه وقدرة حقيقية علي الردع بكل معانيه السياسية والاقتصادية .. والعسكرية أيضا .. بدون ذلك سيتفرغ العرب للشجب والادانة والبكاء .. ولاعزاء للضعفاء والبلهاء