بعد فترة جمود سياسي طويل، تنتظر الساحة الفلسطينية حدثين مهمين في الشهور القليلة القادمة. ولكل منهما علاقة بحركة حماس. الحدث الأول موعده اكتوبر القادم حيث تجري السلطة الفلسطينية انتخابات السلطات المحلية، اما الحدث الثاني فموعده المنتظر في أواخر العام الجاري حين تجري حركة حماس انتخاباتها الداخلية لاختيار قيادتها السياسية. الشكوك المتبادلة التغير في موقف حركة حماس من انتخابات المحليات هو الذي يكسبها أهميتها هذه المرة، ففي 2012 اجرت السلطة الفلسطينية الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وحدها بعد أن أدي الانقسام والشكوك المتبادلة بين حركتي فتح وحماس إلي اتخاذ الأخيرة قراراً بعدم السماح بإجراء الانتخابات في قطاع غزة. أكثر من ذلك قررت حماس عدم خوض الانتخابات في الضفة الغربية ولم تتقدم بقائمة لمرشحيها ودعت أنصارها لمقاطعة الانتخابات مما أسفر في نهاية الأمر إلي أن نافست حركة فتح نفسها في القري والمدن. في الأسبوع الماضي خرجت حركة حماس بإعلان مفاجئ مفاده انها ستسمح بإجراء انتخابات المحليات القادمة في قطاع غزة من أجل استبيان رغبة الشعب، وأكدت الحركة أهمية هذه المناسبة وضرورة احترام نتائج الانتخابات. لم تمض بضعة أيام حتي أعلنت الحركة لجماهيرها أن مرشحيها سينافسون في الانتخابات القادمة تحت إطار حزب وطني يتم تشكيله من التكنوقراط وهو ما اعتبرته صحيفة يديعوت أحرونوت الاسم الكودي لحركة سياسية مصبوغة باللون الأخضر دون ان تسمي نفسها «حماس». ولم يتأخر الرد الرسمي كثيراً فقد وصلت قيادات لجنة الانتخابات المركزية من رام الله لمقابلة إسماعيل هنية نائب زعيم الحركة ومناقشته في طريقة اجراء الانتخابات في القطاع، لكن من وراء الكواليس طغت الدهشة في أوساط حركة فتح من القرار المفاجئ لحركة حماس. أما في دوائر المراقبين الإسرائيليين فقد كانت خطوة حماس مفهومة الدوافع. فالحركة التي تراقب عن كثب رصد استطلاعات الرأي في الضفة الغربية لحالة الغضب واليأس من أسلوب الحكم بسبب غياب الديمقراطية الحقيقية، في الوقت الذي حققت حركة حماس نجاحات في انتخابات الاتحادات الطلابية بجامعات الضفة خاصة في جامعة بير زيت والپولي تخنيون في الخليل، وجدت في رأي المراقبين الإسرائيليين- ان الوقت مناسب لإطلاق بالونات اختبار في شكل الانتخابات المحلية لاستبيان مدي التأييد الذي تحظي به في الضفة الغربية، وأنها رأت في مشاركتها بانتخابات المحليات حافزاً لإثارة الضغط الشعبي للمطالبة بإجراء الانتخابات التشريعية ولا مانع من الرئاسية أيضاً. متابعة عملية علي الجانب الآخر امتزجت دهشة دوائر السلطة الفلسطينية في رام الله بالقلق عند متابعة عملية تشكيل قائمة حماس وتزعم الصحيفة العبرية أن السلطة ستفعل ما في وسعها لإفساد الجهد الحمساوي وانها تعتمد علي تعاون اسرائيل في ذلك. علي ان المتابع لاتجاهات القرار في تل ابيب لا يمكنه ان يتجاهل المقارنة بين هذا وبين قرار المؤسسة العسكرية تخصيص ميزانية خاصة تقدر بملايين الشيكلات لإطلاق ما أسمته بوحدة «النيو-ميديا» تضم عناصر محترفة متخصصة في شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلي عقول وقلوب المواطنين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ولزيادة التأثير الإسرائيلي علي الشارع الفلسطيني بعيداً عن تأثير السلطة الفلسطينية، بما يعني أن دوائر صناعة القرار في إسرائيل قررت تجاوز السلطة الفلسطينية والالتفاف علي رئيسها ابو مازن وتوسيع التوجه إلي الفلسطينيين باللغة العربية عبر شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت لا سيما وانهم لا ينتظرون حوارا سياسيا مع رئيس السلطة وقرروا التخلي ولو جزئيا عن الوسطاء بينهم وبين المواطنين الفلسطينيين. محاولة التنبؤ أما علي صعيد الانتخابات الداخلية في حركة حماس فمن الطبيعي أن تحدد تلك الانتخابات الداخلية هوية قيادتها الجديدة التي ستوجه دفة العمل في الحركة للسنوات الأربع القادمة. ومنذ أن كشفت صحيفة الرأي اليوم عن اعتزام خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة عدم خوض الانتخابات القادمة علي رئاسة حماس والأنظار كلها تتجه لأسماء المرشحين لخلافته وتجري الدراسات لفحص خلفية وفرص كل منهم، بالإضافة لمحاولة التنبؤ بمدي الدور الذي يمكن أن يساهم به مشعل في قيادة الحركة وهو خارج الرئاسة. مع ذلك فمايزال الإسرائيليون يتحفظون تجاه تصديق خبر عدم ترشح مشعل مرة أخري، لأنه أولاً سبق أن أعلن إعلاناً مشابها في 2012 لكنه تراجع عنه وخاض الانتخابات وفاز برئاسة الحركة أو بالأحري فاز بالتزكية لعدم وجود منافسين له، ولأنه ثانيا، لم يعلن هذه المرة الخبر بنفسه بل تركه لوسائل الإعلام. رغم ذلك لم تكف بورصة التكهنات الإسرائيلية عن المفاضلة بين أرجح الأسماء التي يمكن أن تخلفه في زعامة الحركة، وهم موسي أبو مرزوق وإسماعيل هنية ويحيي سنوار.