في كراسة الأدب والإبداع حكايات وحواديت مثيرة، ساعات يرويها أصحابها بأقلامهم، وساعات يكتبها عشاق التاريخ في سجل الخالدين، وبعضها نجدها بالصدفة بين أوراق منسية داخل معاقل الكتب القديمة، وفي أحيان كثيرة نراها مجسمة امام اعيننا في اخبار قصيرة لشخصيات مبدعة صنعت عوالم من الفكر والخيال والسحر في سطور من كلمات مكتوبة ، وفي قليل من الزمن نعيشها في جلسات ولقاءات حميمة نادرة .. بين الذكريات والواقع وقفت أتأمل بعض هذه الحكايات وسجلتها علي اوراق جديدة، لتكون شاهدة في زماننا علي حالات نادرة من الابداع والتخيل والواقع في زمن صار فيه الخيال منزوع الصلاحية، لكن سيظل الخيال دائما هو أحد مصادر الالهام قي كل عصر وأوان. أحمد فؤاد نجم نجم .. في هيئة الگتاب في الوقت الذي كان حكم المخابرات هو القائم في مصر، وكثير من التعسف الاجتماعي والظلم الاقتصادي هما السائدان... بدأ الناس سماع صوت "الشيخ إمام" يغني أشعار "أحمد فؤاد نجم"، وبدأ الصوتان يقرعان أبواب البيوت في مصر والبلاد العربية، يستأذنان في الدخول، وأحياناً يدخلان بلا استئذان. كان شعر "أحمد فؤاد نجم" يتحدث عن الجرح المصري خاصة والجرح العربي عامة، صوراً تظهر القهر والظلم، وتسخر من أولئك الذين يحاولون قتل روحة الأمة، ويظهر التحدي الصارم للقلب المصري، ومعه العربي للسجون، والمخابرات، وحكم الفساد، ومقاومة العقل لهذا العفن السياسي، والنهب الاقتصادي، ويهدد أولئك المتمسكين بالسلطة. ولما كان الزمن زمن تطلع وتململ ورغائب في التحرر من الاستعمار الدولي، والصهيوني، ومن استعمار الحكومات العسكرية لشعوبها... أصبحت أغنية "أحمد فؤاد نجم" التي يؤديها "الشيخ إمام" هي أغنية المتمردين، والطلاب المنتفضين... والمقاتلين الفلسطينيين، وأهل المقاومة في لبنان وأولئك الوطنيين الصامتين. كانت هذه الأغاني تصل إلي الناس رغم كل العوائق التي تضعها السلطات إذ إنهم اعتبروا هذا الشعر خطراً علي وجودهم. وهكذا وعبر مسافة زمنية قصيرة ترسخ صوت "أحمد فؤاد نجم" في ضمير الأمة ودخل الشيخ الضرير، الملحن والمؤدي "إمام" ومعه الشاعر النابض في عروق الناس "نجم"، ولكنهما وبعد خروجهما من السجن تجاوزا المحنة وتابعا مسيرتهما علي درب الكلمة التي لا بد أن تقال بصوت مرتفع في وطن يعاني وأبناؤه الكثير من الظلم المعنوي والفعلي. وفي هذه الايام اعادت الهيئة العامة للكتاب اصدار الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر أحمد فؤاد نجم الذي يستهل تقديم كتابه بكلمات أشبه بالشعر الذي يكتبه حين يقول فيها : آه من الشعر .. هذا الكائن الساحر الخلاب .. منحة الموهبة الجزيلة، وامتحان الحياة الصعب الوعر "! وفي سطور اخري كتب يقول عن الشعر : وزي ما بيقولوا العشاق وقعت في شباكه من اول نظرة ومن يومها وهو مشحتفني ومجرجرني وراه في المحاكم والسجون لحد ما حفيت رجليا وتعبت أحلي تعب وأنا برضه ماشي وراه بلاد الله خلق الله . ويقول : ان القصائد الموجودة في هذا الديوان تقدر تسميها الشعر الحر وأنت مستريح البال والضمير لان الشعر حرية ! والكتاب الذي يتضمن اعمال شاعرنا الكبير الكاملة مصحوب بريشة الفنان الكبير جمعة .. نجم يكتب وجمعة يرسم .. يا لها من أعمال ! جابرييل جارسيا ماركيز ماركيز.. يكتب رسالة لمحبيه جابرييل جارسيا ماركيز من أشهر كتاب الواقعية السحرية، كتاباته متنوعة بحيث يصعب تصنيفها ككل،حائز علي جائزة نوبل في 1982 ومن اشهر اعماله رواية الحب في زمن الكوليرا الذي يحكي فيها قصة الحب بين والديه.ورواية مائة عام من العزلة والتي بيع منها أكثر من 30مليون نسخة. أصدر مذكراته تحت عنوان "عشت لأروي" وكانت من الكتب الأكثر مبيعا، وكتب فيها:"لقد خفضت علاقاتي مع أصدقائي إلي أدني حد ممكن، وقطعت الهاتف، وقمت بإلغاء رحلاتي وجميع الخطط الحالية والمستقبلية . وعكفت علي الكتابة كل يوم دون انقطاع ". ثم أعلن في عام 2008 أنه أتم رواية جديدة بعنوان "رواية الحب".وفي 2012 أعلن أخو جابرييل أن أخاه أصيب بالخرف "الألزهايمر"، وأنه لم يعد قادرا علي الكتابه، ولكن رغم سطوة المرض بقيت روح المبدع لدي ماركيز متقدة وحية ، فكتب رسالة وداع حارّة إلي محبيه انتشرت عبر الإنترنت وتناقلها عشاقه ومريدوه. يقول فيها: "لو شاء الله أن ينسي أنني دمية، وأن يهبني شيئاً من حياة أخري، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي. ربما لن أقول كل ما أفكر به، لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. لو شاء ربي أن يهبني حياة أخري، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي علي الأرض، ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضاً. سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متي شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق. للطفل سوف أعطي الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلّم التحليق وحده. وللكهول سأعلّمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان. لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر... تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه. تعلّمت أن المولود الجديد حين يشد علي إصبع أبيه للمرّة الأولي فذلك يعني أنه أمسك بها إلي الأبد. تعلّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلي الآخر فقط حين يجب أن يساعده علي الوقوف. تعلمت منكم أشياء كثيرة! لكن، قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضع في حقيبتي أكون أودع الحياة. قل دائماً ما تشعر به، وافعل ما تفكّر فيه. لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعيّ ولتضرعت إلي الله أن يجعلني حارساً لروحك. لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت " أحبك" ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك. هناك دوماً يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأنني لن أنساك أبداً. لأن الغد ليس مضموناً لا للشاب ولا للمسن. ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي تري فيها أولئك الذين تحبهم . فلا تنتظر أكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم علي اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو قبلة، أو أنك كنت مشغولاً كي ترسل لهم أمنية أخيرة. حافظ بقربك علي مَنْ تحب، إهمس في أذنهم أنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتن بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها. لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها. وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك " . المنسي قنديل المنسي .. حالة عشق ! المنسي قنديل روائي له مذاق خاص في الكتابة والسرد الادبي المميز، الذي يعتقلك منذ الشروع في قراءة ابداعاته الروائية من اول رواية "قمر علي سمرقند" الذي حصل بها علي جائزة ساويرس ورواية "يوم غائم في البر الغربي" التي وصلت الي القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، إلي روايته الاخيرة " أنا عشقت "التي صدرت مؤخرا عن دار الشروق . الرواية تدور حول الحبيبين ورد وحسن، الذي يضطر ان يتركها ويسافر، وفي لحظة الوداع، لم تحتمل ورد لحظات وداع حبيبها بسبب ظهور بعض اصدقاء حسن فجأة ليقضوا علي الثواني القليلة الباقية لها في وداعه ،مما يجعلها تصاب بحالة تجمد وتسمر وهي واقفة علي محطة القطار، ممسكة بلحظة الوداع الاخيرة. وتظل متسمرة هكذا في مكانها ويلتف حولها أهل القرية يروون الحكايات والألغاز حولها وهي واقفة لا تتحرك مما دفع بطل الرواية " علي طالب الطب في السنة النهائية " الذهاب الي القاهرة للبحث عن حسن وإعادته لحبيبته ورد ربما تعود لحياتها الطبيعية مرة ثانية .. ويتساءل في سطور الرواية قبل رحيله للبحث عن حسن : لماذا ربطت نفسي بمصيرها ؟ هل وقعت في عشقها ؟ وهل من اجل هذا العشق الاحمق أذهب للبحث عن حبها الحقيقي ؟ لقد استطاع محمد المنسي قنديل من خلال الرواية في تصوير أدق خلجات النفس، وأكثرها شفافية وتعقيدا، بلغة شاعرية تزاوج بين الواقع والحلم كما برع في وصف تفاصيل الرحلة والمصاعب والمتاعب التي واجهت "علي" في الوصول الي حسن واقناعة بالعودة الي حبيبته المتجمدة منذ لحظة فراقه . خلال رحلته من مدينته الصغيرة إلي القاهرة يكشف لنا حال القاهرة التي تغلي من شدة القهر، وهو ينتقل من الأحياء العشوائية إلي ضواحي القاهرة الفخمة التي يحتمي سكانها خلف الأسوار، من الجامعة حتي السجون المكتظة بكل أنواع البشر كبطن الحوت، يشاهد كيف تموت البراءة ويسحق الإنسان ويظهر أسوأ ما فيه من خصال.وفي النهاية يعود حسن الي ورد بعد ان يكتشف علي خلال رحلته في البحث عنه انه ليس الرجل الحلم الذي عاشت من اجله وردت وكادت ان تفقد حياتها بعد ان حولته الظروف الي قاتل محترف ومنتقم وعندما يصيح علي في وجه ورد محذرا اياها من حسن قائلا : انه ليس حسن الذي احببته انه قاتل محترف يقتل بدم بارد وربما تكونين انت ضحيته القادمة تنظر ورد باستغراب نحو علي وتشعر بالخوف من صياحه وتحتمي في صدر حسن الذي يلف ذراعه حولها ويجذبها مبتعدا .