تابعتُ دفاع سعد الحسيني -عضو مجلس شوري الجماعة- وتبريراته لقرض الحكومة من صندوق النقد الدولي، ذلك القرض الذي سبق أن اعتبره أعضاء مجلس الشعب من الإخوان المسلمين »ربا« في ظل حكومات النظام السابق! ولم يكتف المهندس الحسيني بالاعتراف بأن الاقتراض ليس ربا، بل وصل في دفاعه إلي أن الاقتراض حتي وإن كان »ربا« فإن الضرورات تبيح المحظورات! ولا أعرف ما الفرق بين ضرورات الحزب الوطني في العهد السابق، وضرورات الحرية والعدالة الآن؟! ولماذا يُعتبر الاقتراض ربا في عهد الرئيس المخلوع ومع حكومة الجنزوري، ولا يُعتبر كذلك في عهد الرئيس مرسي؟! وهل ضرورات حكم الإخوان تُبيح المحظورات، وضرورات الحزب الوطني المنحل لا تُبيحها؟!. صحيحٌ أنني كنت وما زلت أرفض قرض البنك الدولي، غير أن اعتراضي وأسباب رفضي لهذا القرض لا علاقة لها بموضوع »الربا«، ولا للمبررات التي كان يسوقها أعضاء جماعة الإخوان المعترضون في مجلس الشعب السابق، لكنني لا أقبل تلك الازدواجية في الآراء والأحكام، والتمسك بسياسة »انصر أخاك ظالما أو مظلوما« التي يتبعها الإخوان، والتي تعني تأييد كل ما يفعله الإخوان حتي وإن كان خطأ!. وبنفس منطق الضرورات تبيح المحظورات، يعيد لنا المستشار أحمد مكي إنتاج قانون الطوارئ الذي أنهت ثورة 25 يناير أسطورته بعد نصف قرن، فوزير العدل يري أن هناك ضرورة لفرض قانون الطوارئ بهدف القضاء علي حالات البلطجة والعنف وقطع الطرق، وكأن قانون الإجراءات الجنائية قاصر عن ملاحقة الخارجين علي القانون، وعاجز عن ردع البلطجة، وإعادة الأمن للشارع!.. إنني لا أختلف علي أن الشارع يعاني من حالات البلطجة، والعنف، والانفلات الأخلاقي، إلا أن هذا لا يبرر عودة قانون الطوارئ الذي استخدمه النظام السابق لقمع الحريات، وتكميم الأصوات، وملاحقة المعارضين. إن العالم كله يفرض الأمن، ويمنع البلطجة، والخروج علي القانون، دون فرض قوانين استثنائية، ودون البحث عن ضرورات تبيح المحظورات!. وهل ملاحقة البلطجية وقطاع الطرق تعد من الضرورات التي تجعلنا نقبل بعودة الروح إلي قانون الطوارئ بعد إعلان وفاته؟! في حين نعتبر أن ملاحقة الإرهابيين ومطاردة الأنظمة الجهادية وجماعات التكفير المتسترة باسم الدين ليست من الضرورات التي تمنح النظام السابق مبررًا لاستمرار هذا القانون سيئ السمعة؟ وما الفرق إذن بين قانون الطوارئ الذي جعل من مصر دولة بوليسية، ورسخ لنظام دكتاتوري يلاحق المعارضين، وبين مشروع قانون الطوارئ في ثوبه الجديد، الذي يضع قيودًا علي حرية المواطنين في عقد الاجتماعات، والانتقال، والإقامة، والتظاهر، ومراقبة الرسائل والصحف قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاقها؟ ويمنح الدولة سلطة اعتقال المشتبه فيهم دون سند قانوني، ويسعي لتكميم أصوات المعارضين الذين يعتقد النظام أنهم خطر علي الأمن العام، أو بالأحري خطر علي نظام الحكم! إن عجلة الزمن لن تعود أبدا إلي الوراء، ولن يصمت الشعب علي إعادة إنتاج تلك الأساليب البالية التي كان يتبعها النظام السابق مع المعارضين، ومن المستحيل أن يرتضي المواطن التنازل عن حريته وكرامته، ويخضع لهيمنة الدولة، ولأساليبها القمعية في سلب حريته التي حصل عليها بدماء الشهداء، وإهدار كرامته التي استعادها بثورته وإرادته!..فليكن لكم ما أردتم.. لكن أدركوا جيدًا أن الأصوات التي غردت يوم 25 يناير لن تصمت، وأن نزيف الوعي الذي سال عقودًا طويلةً ذهب بلا رجعة.