شيء ما كُسر في أوروبا ليلتي الأحد والإثنين (6و7 مارس الجاري) حيث أخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القارة العجوز في مسار مغاير لما كانت عليه بمقدار 180 درجة، وذلك بالاتفاق سراً مع تركيا علي طرد اللاجئين من اليونان وإعادتهم من حيث أتوا، مقابل غض الطرف عن كل ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من ممارسات استبدادية. دبلوماسيون فرنسيون قالوا لصحيفة لوموند « ما فعلته ميركل سيترك أثاراً وجروحاً عميقة»، فابنة القسيس التي أعطت أوروبا كلها، ومعها معارضيها في الداخل، دروساً أخلاقية عن ضرورة استقبال اللاجئين لأسباب إنسانية، أصبحت الآن مستعدة للقبول بطرد اللاجئين السوريين الذين خاطروا بحياتهم في قوارب متهالكة للخلاص من ويلات الحرب، بل أن ستيفن سيبرت المتحدث باسم ميركل قال: «إعادة السوريين أمر مهم فهم يشكلون 40% من المهاجرين، ويجب أن نرسل لهم الإشارات بأنهم حينما يعبرون بحر إيجه سيفقدون أموالهم في أحسن الأحوال وحياتهم في أسوأها». في 6 مارس الجاري وعشية عقد القمة ألاوروبية الاستثنائية لبحث أزمة اللاجئين بناء علي طلب برلين، ذهبت ميركل للعشاء مع رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في سفارة الأخير بالعاصمة البلجيكية بروكسل دون أن تخبر أحدا من قادة أوروبا، واصطحبت معها فقط مارك روت رئيس الوزراء الهولندي الذي تتولي بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.. سهرت ميركل مع أوغلو حتي الرابعة من صباح اليوم التالي، وعلي مدار 7ساعات متواصلة ناقشت مع اوغلو خطة « واحد مقابل واحد»، أي مقابل كل طلب لجوء تقبله أوروبا تستقبل تركيا من اليونان واحدا من طالبي اللجوء المقيمين لديها، وعلق ستيفن سيبرت علي الأمر قائلاً: « لقد بدا ذلك لمدام ميركل قاعدة جيدة للانطلاق في المفاوضات،الأتراك هم من اقترحوا الخطة وليس نحن»، ويبدو أن ميركل أقدمت علي تهميش قادة أوروبا والتصرف دون علمهم، بسبب حالة الانقسام في دول الاتحاد وتنصل الكثير من العواصم الأوروبية من وعودها باستقبال حصصها من اللاجئين طبقا لما كان متفقاً عليه بينهم. سهرة ميركل مع اوغلو أغضبت الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند والكثير من القادة الغربيين بحسب تأكيدات صحيفة لوموند، حيث كان زعماء أوروبا علي وشك التوصل لاتفاق فيما بينهم دون إقحام تركيا في الأمر، وبينما كان أوغلو وميركل يوقعان علي الاتفاق كان القادة الأوربيون يستعدون لتناول وجبة الإفطار، إذ توصلت برلينوأنقرة لصيغة مشتركة بحلول الثامنة صباحاً. وحاول البولندي دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، التقليل من حدة الاحتقان بين ميركل وقادة أوروبا بالقول إن الاقتراح الألمانو- تركي «طموح للغاية»، علماً بأن تاسك تعرض لإهانة دبلوماسية بالغة في تركيا منذ عدة أيام حيث قام الرئيس التركي في حضوره بإصدار تعليماته بإغلاق صحيفة زمان المعارضة. تهميش ميركل للمؤسسات الأوروبية بدأ منذ عدة أشهر حيث تتواصل مع الأتراك مباشرة من خلال بيتر ألتماير الوزير المكلف بملف اللاجئين، والذي يطير إلي تركيا كلما طلبت منه ذلك، وهو دائماً يردد أمام وسائل الإعلام أن تركيا حينما تستقبل اللاجئين السوريين فإنها بذلك تتبني نفس قيم الاتحاد الأوروبي، في محاولة لعدم إغضاب أنقرة التي تتعرض لانتقادات حادة في الصحف الأوروبية عموماً بخصوص الحريات والتضييق علي المعارضين، ولكي تخطب ميركل ود أردوغان بذلت مجهوداً خرافياً لإقناع حزب الخضر اليساري المعارض بألا يضع علي جدول أعماله في البرلمان الألماني «البوندستاج» مشروع قانون يعترف بجرائم الإبادة التي ارتكبتها تركيا بحق الأرمن إبان الحرب العالمية الأولي.