عقب صدور قرار البنك المركزي أمس بخفض سعر صرف الجنيه امام الدولار تباينت ردود أفعال الخبراء، البعض اعتبره خطوة في الاتجاه السليم والبعض الآخر ابدي تحفظه علي القرار ولكن اتفق الجميع علي ضرورة وجود إجراءات أخري عاجلة تتخذها الحكومة لتجنب الآثار السلبية المتوقعة. رئيس مصلحة الجمارك د. مجدي عبد العزيز أكد أن القرار إيجابي وسينعكس بشكل مباشر علي انهاء حالة التكدس بالموانئ للسلع الأساسية وغيرها، وقال مجدي إن الفترة الماضية وبسبب نقص الدولار كانت السلع تحجز فترات طويلة بالموانئ لحين تدبير الدولار لسداد مستحقات المصدرين وهو ما كان يتسبب في حدوث بعض الاختناقات في السوق لبعض السلع والأدوية، وتوقع عبد العزيز أن تشهد الأيام المقبلة سيولة كبيرة في الإفراج عن البضائع المستوردة خاصة مع ضخ كميات كبيرة من الدولار وإتاحتها للمستوردين من خلال القنوات الشرعية بالبنوك. قرار مفاجئ ولكنه خطوة في الاتجاه السليم هذا ما قاله د. فخري الفقي المستشار بصندوق النقد الدولي سابقا تعقيبا علي قرار البنك المركزي، الفقي اعتبر القرار مشجعا علي الاستثمار وقبلة حياة تنعش البورصة وفرصة حقيقية لزيادة الصادرات إلا أنه أكد في الوقت ذاته ان القرار ينطوي علي مخاطر يجب علي الحكومة سرعة التحرك لاستيعابها مالم تكن قد درستها مسبقاً وحددت سيناريوهات التعامل معها. يقول الفقي إن خفض سعر الجنيه أمام الدولار رسميا سيستتبعه موجة من التضخم ترتفع خلالها الاسعار من 10% إلي 15%، وطالب الحكومة بضرورة اتخاذ قرارات عاجلة لحماية المواطنين وخاصة الفقراء عن طريق زيادة الدعم علي الكروت الذكية بما لا يقل عن 40 جنيها علي الكارت الواحد لتعويض الفارق المستحدث بالاسعار بعد تراجع سعر الجنيه رسميا أمام الدولار. أضاف الفقي أن القرار سينعكس أيضا علي الدين العام الخارجي في شكل زيادة تكلفة السداد موضحا أن اجمالي الدين العام الخارجي يبلغ 48 مليار دولار ويتم إدراجها في الموازنة العامة للدولة في شكل جنيه مصري بعد احتساب الفارق وهو ما يعني زيادة التكلفة الاجمالية لهذا الدين بحوالي 48 مليار جنيه وما يترتب عليه من زيادة تكلفة أعباء خدمة الدين العام، وأشار إلي أن النتيجة المباشرة لهذه الزيادة ارتفاع عجز الموازنة وقال إن التوقعات تشير إلي احتمالية وصول عجز الموازنة إلي أكثر من 11% بزياة 2% عن العجز المستهدف خاصة مع تضافر عدة عوامل أخري أبرزها توقف حركة السياحة وتراجع تحويلات المصريين بالخارج وعدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة. قرار طبيعي أمين عام اتحاد المصارف العربية السابق د. فؤاد شاكر أكد أن قرار البنك المركزي طبيعي ولا يدعو للتوتر خاصة أن قيمة الجنيه المصري تراجعت بالفعل وقال إن الإجراء الذي اتخذه البنك المركزي يعمل علي خفض الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق الموازية، وقال إن أزمة الدولار في مصر ليست بسبب قرارات المركزي ولكنها ناتجة عن تراجع موارد النقد الأجنبي كالسياحة وتحويلات المصريين بالخارج وهما الموردان الأهم للدولار وكانا يوفران 35 مليار دولار سنويا. وأكد أن سعر صرف الجنيه ليس الأزمة الحقيقية التي تواجهها الدولة ولكن أزمتنا الحقيقية والتي يجب أن تتصدي لها الحكومة بجدية هي تراجع الانتاج، وقال إنه بالتزامن مع تراجع الانتاج حدثت زيادة كبيرة في الأجور الامر الذي انعكس علي السوق بخلق قوة شرائية كبيرة، وقال إنه مع توقف الانتاج وزيادة الطلب زادت فاتورة الاستيراد وبالتالي زاد الطلب علي الدولار فحدثت الأزمة. أضاف شاكر إن الحل الأهم للأزمة الحالية هو زيادة الانتاج ومضاعفة الصادرات من خلال برامج جديدة لتنشيط الصادرات، مؤكدا أن سعر الدولار في السوق السوداء لن يشهد زيادة ملموسة خلال الايام المقبلة حيث إن الطلب علي الدولار تراجع في الوقت الحالي بعد العطاءات الاستثنائية التي أعلن عنها البنك المركزي مؤخرا. يقول د. إيهاب دسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات إن قرار البنك المركزي استجابة طبيعية لآليات السوق التي لا يستطيع أحد مقاومتها مؤكدا أن القرار يقلص الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء، أضاف أن القرار يعد بارقة أمل لجذب مزيد من الاستثمارات خلال المرحلة القادمة حيث إن وجود سعرين للدولار في السوق المصري كان من أبرز عوامل تنفير المستثمر الأجنبي. أكد دسوقي أن قرار البنك المركزي حتي يحقق أهدافه لابد من ضخ كميات أكبر من الدولار بالسوق للقضاء تماما علي السوق السوداء، واستبعد حدوث ارتفاعات في الاسعار خلال الأيام المقبلة خاصة ان الفترة الماضية كان المحدد الرئيسي لأسعار السلع هو سعر الدولار بالسوق السوداء وليس سعره الرسمي، وطالب برفع سعر الفائدة علي الإيداع بالجنيه المصري ليكون عنصر جذب للمواطنين فيقبلون عليه بدلا من الدولار. ضد الفقراء علي الجانب الآخر أبدي د. رشاد عبده الخبير الاقتصادي الدولي انزعاجه من القرار وقال إنه يخالف التوجه الرئيسي للدولة في الوقت الحالي بدعم الفقراء مؤكدا أنه سيتسبب في موجة كبيرة من الغلاء لن تتحملها الطبقات الفقيرة والأولي بالرعاية. وقال إن البنك المركزي كان يجب عليه الاكتفاء بالعطاءات الاستثنائية للدولار وقرارات حرية الإيداع والسحب وهو ما كان سيخفض من قيمة الدولار 80 قرشا علي الاقل. واتهم عبده البنك المركزي بأنه ينفذ إجراءات كرد فعل للسوق ولا يعمل وفق سياسات تدير السوق، وتوقع أن يشهد سعر الدولار في السوق السوداء زيادة خلال الساعات والايام القادمة خاصة مع عجز الدولة عن توفير احتياجات المستوردين من الدولار. وحذر من استمرار زيادة الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره بالسوق السوداء حيث إن استمرار الاوضاع بهذه الوتيرة ستضطر الحكومة لمزيد من خفض للسعر الرسمي للجنيه وبالتالي سيكون هذا القرار مقدمة للتعويم الكامل للجنيه.