وبدأت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد توقف استمر أكثر من عشرين شهرا. وكان المشهد في البيت الأبيض أكثر من رائع ويدعو للأمل والتفاؤل حين اجتمع قادة الولاياتالمتحدة ومصر والأردن وفلسطين وإسرائيل علي مرأي ومسمع من العالم والجميع يحدوه الأمل في وضع نهاية لصراع مأساوي بين العرب وإسرائيل استمر أكثر من ستين عاما سقط خلالها آلاف الشهداء والضحايا من الجانبين العربي والإسرائيلي واستمر الاحتلال كما هو رغم المحاولات المتواصلة لوضع نهاية له.. كانت مناسبة إعادة اطلاق المفاوضات من البيت الأبيض فرصة ليؤكد الرئيس حسني مبارك موقف مصر الداعم والمساند للفلسطينيين في قضيتهم العادلة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفي نفس الوقت يطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بانتهاز الفرصة التي جاءت مع بداية استئناف المفاوضات لكي يتحقق السلام علي ارض السلام ويعيش الإسرائيليون مع العرب في سلام وتتركز جهودهم في التنمية والرخاء لشعوب المنطقة بدلا من انتشار الخراب والدمار وسقوط المزيد من الضحايا من الجانبين. الرئيس الأمريكي رعي حفل الافتتاح ووجه الدعوات للرئيس مبارك والعاهل الأردني لحضور هذه المناسبة تقديرا لدورهما في دعم مسيرة السلام بعد أن أقامت مصر والأردن علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ووقعتا اتفاقية للمصالحة أعادت بموجبها إسرائيل الأرض التي كانت قد احتلتها في كلا البلدين مقابل السلام. أكد أوباما التزام بلاده مواصلة جهودها مع جميع الأطراف من أجل السلام وهو يدرك أن هناك معارضة من المتطرفين في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لعملية السلام وكل منهم ينظر إلي السلام من وجهة نظره ومصلحته فإسرائيل تحتل الأرض وتملك القوة والسيطرة وتمارس أقسي أنواع الضغط علي الفلسطينيين بينما يحاول الفلسطينيون الحصول علي حقوقهم المشروعة بشتي الطرق وتري الأطراف المتشددة في الجانب الفلسطيني أنهم لن يحصلوا علي هذه الحقوق إلا بالقوة المسلحة والمزيد من الدماء والشهداء.. وعلي الرغم من عدم توازن القوة العسكرية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وانه لا وجه للمقارنة بينهما إلا أن المتشددين الفلسطينيين لازالوا متمسكين بموقفهم النضالي علي الرغم من المتغيرات الدولية والاقليمية والتطور العسكري والتكنولوجي الهائل الذي تمتلكه إسرائيل ويؤكدون أن الحرية لابد لها من ضحايا وشهداء ولذلك فهم يرفضون مبدأ التفاوض وبدأوا حملاتهم قبل المفاوضات واثناءها وبعدها واتهموا المشاركين فيها من القادة الفلسطينيين بأنهم قدموا التنازلات وخانوا الأمانة وضحوا بدماء الشهداء من أجل ارضاء أمريكا وإسرائيل.. وللأسف نسي هؤلاء المتشددون أو تناسوا أن الوقت لم يعد في صالح القضية الفلسطينية وإسرائيل تحتل كل يوم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتعتقل المزيد من الشباب والمقاومين وتلقي بهم في غياهب السجون ضاربة عرض الحائط بما يسمي بحقوق الإنسان وتقيم إسرائيل المستوطنات في مناطق مختلفة من الأراضي المحتلة وتنقل إليها اليهود من أنحاء العالم ليقيموا ويستقروا في أرض الميعاد.. كل هذه المتغيرات ولازال البعض يردد نفس النغمة النضالية القديمة التي أصبحت بلا جدوي في عالم يموج بالأحداث المتلاحقة ولا يعترف إلا بالقوة.. وكان الأجدي بهم أن يحافظوا علي الأرض والعرض وينقذوا الشباب الفلسطيني والشيوخ والنساء والأطفال من قوة احتلال غاشمة تضرب في كل اتجاه بدعوي الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب.. أن الفرص التي ضاعت في القضية الفلسطينية لا حدود لها لدرجة أنهم أصبحوا يطلقون عليها قضية الفرص الضائعة وبالتالي حين تأتي الفرصة هذه المرة لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من حيث انتهت وليس من نقطة الصفر فإن هذه تعتبر فرصة ربما تكون الاخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه والدخول في مفاوضات صعبة ليست سهلة لأنها ستتطرق للقضايا العالقة التي كان الحديث عنها في الماضي نوعا من الأوهام بالنسبة للإسرائيليين الذين كانوا يرفضون مجرد فكرة رفع العلم الفلسطيني في أي اجتماع وبالتالي رفض مجرد الحديث عن اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدسالشرقية.. الآن أصبح الحديث يدور حول هذه القضايا وأكثر منها حدود الدولة الفلسطينية وتأمينها وعودة اللاجئين ومشكلة المياه وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية والذين يقدرون بالآلاف ويتطلع الجميع لانهاء حالة الحرب والعداء واقامة سلام عادل وشامل يعيش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلي جنب.. وتدور المفاوضات في الوقت الذي يتوعد فيه المناضلون الأشاوس بالمزيد من الهجمات ضد الإسرائيليين لعل وعسي يكون لهم موضع قدم في هذه المفاوضات ولكنهم نسوا أو تناسوا أن أوهام القوة لن تدوم إلي الأبد لأن إسرائيل كما هو معروف طوال تاريخها يكون ردها عنيفا وبلا هوادة وفي النهاية يدفع المواطنون الفلسطينيون الثمن باهظا بينما يختفي المناضلون في مخابئهم أمنية.. ولا شك أن الجميع يراودهم حلم السلام بدلا من أوهام القوة.