بعد عشر سنوات من أعمال الترميم وعند لحظة فك السقالة وإزالتها سارع الجميع إلي التقاط الصور للتمثال الذي أصبح في الإمكان تصويره للمرة الأولي بدون وجود سقالات أو عمال أو مواد ترميم وأحجار. كان من الواضح أن أبو الهول قد عاد اليه شبابه وحيويته بعد الانتهاء من عمليات الترميم التي اجريت له بأسلوب علمي وذلك للمرة الأولي في تاريخه الحديث علي يد فريق ترميم مصري علي أعلي مستوي من المهارة والحرفية. وقام فريق العمل من أصغر عامل به إلي أكبر مسئول عن الترميم بالاحتفال أكثر من مرة بانتهاء أعمال الترميم بداية من إزالة آخر سقالة من حول جسم التمثال الذي تحرر للمرة الأولي بعد عشر سنوات من أعمال الترميم. وكانت لحظة فك السقالة وإزالتها لحظة مؤثرة وقد سارع الجميع إلي التقاط الصور للتمثال الذي أصبح في الإمكان تصويره للمرة الأولي بدون وجود سقالات أو عمال أو مواد ترميم وأحجار. ولا بد من شهادة حق أمام التاريخ لهذا الفريق المصري الذي قام بترميم أبو الهول؛ والذي كان يتعامل مع التمثال باعتباره أمانة وكنزاً حضارياً ليس فقط ملكاً لمصر وإنما ملكاً للإنسانية كلها. أما عن التاريخ الذي لا أنساه فهو يوم 25 مايو سنة 1998 - يوم الاحتفال الأسطوري بترميم أبو الهول؛ ففي هذا اليوم وبحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك وكبار رجال الثقافة والفن وعلي رأسهم فريدريكو مايور مدير عام منظمة اليونسكو والسيد فاروق حسني وزير الثقافة في ذلك الوقت. وبدأ الحفل بعرض فيلم قصير عن عمليات الترميم ومراحلها ثم تحدث أبو الهول بثلاث لغات أمام العالم كله في عرض مبهر بالليزر والصوت والضوء. وكان حفل انتهاء أعمال ترميم أبو الهول مخططاً له أن يبدأ بإزالة ستارة بيضاء من القماش عن جسم أبو الهول وحضر المكلفون بتغطية التمثال في الصباح الباكر ليوم الاحتفال وظلوا علي مدي ساعات يحاولون تغطية التمثال دون جدوي .. فلقد رفض أبو الهول كل محاولات تغطيته؛ وأخيراً ألغيت هذه الفقرة من الحفل وكنت أسعد الناس بهذا القرار. أما عن الوسام الذي حصلت عليه في ذلك اليوم وهو وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي فهو أعز ما حصلت عليه من تكريم والسبب أنه تكريم بأنني كنت ضمن الفريق الذي حافظ علي أبو الهول وأعاد اليه البسمة من جديد. وتم تكريم فريق العمل وتقليدهم الأوسمة؛ وحصل الريس سعيد حسن أكبر العمال النحاتين سناً علي الوسام من رئيس الجمهورية تحية وتقديراً لدور العامل المصري في الحفاظ علي تراث مصر الحضاري. أذكر أنني في لحظة تسليم الأوسمة كنت دائم النظر إلي وجه تمثال أبو الهول فقد خيل إلي أن أبو الهول سعيد باحتفالنا به وانه يبتسم للمرة الأولي بعد انتهاء معاناته الطويلة من تكالب الأملاح علي حجره وتساقط أجزاء منه للدرجة أنه كان معرضاً للفناء بعد الاف السنين التي عاشها شاهداً علي تاريخ مصر بإنجازاته واخفاقاته. كانت ابتسامة أبو الهول تعني الثقة أنه بمصر شباب من المرممين والأثريين قادر علي الحفاظ علي تراثه الأثري. والجدير بالذكر أنه ومع الإعلان بترميم أبو الهول ترك فريق الترميم خطة الصيانة المستمرة لأبو الهول لضمان الاستمرار في مراقبة ومتابعة صحة التمثال للتأكد من سلامته. سيظل أبو الهول رمزاً لحضارة مصر التي وضعت قواعد العلم والتحضر علي كوكب الأرض.