المشهد الانتخابي جاء مختلفا تماما عن المرات السابقة، وأقصد الانتخابات التي أعقبت ثورتي 25 يناير و 30 يوليو.. التي تميزت بالطوابير الطويلة.. التي كان يظل فيها الناخبون لساعات طويلة، ينتظرون دورهم للادلاء بأصواتهم بإرادة ورغبة كاملة، دون ملل أو تذمر،.. من أجل خدمة وطنهم، وإيمانا منهم بأهمية هذه الاصوات في صنع مستقبل بلادهم، التي ظنوا أنهم استعادوها أخيرا. المشهد خلال الانتخابات البرلمانية الاخيرة تخللته عدة مناظر. المنظر الأول وهو خاص بالقوائم، فقائمة «في حب مصر» اكتسحت الانتخابات، ولم تصمد أمامها قائمة.. تحدثت مع بعض المواطنين علي مختلف ثقافاتهم، وطلبت منهم أن يعددوا لي أسماء قائمة «في حب مصر» والتي أنتخبها معظمهم.. منهم من أستطاع سرد اسم أو اثنين أو ثلاثة.. ومنهم من أخبرني أنه اختارها لإسمها ومنهم من أكد ان اختياره لها جاء لثقة القيادة السياسية فيها.. هكذا وصل الامر للمواطن. أما عن باقي القوائم فلم يعرف أحد أي اسم من اسماء المرشحين الا قليلا.. المهم ان قائمة «في حب مصر» نجحت . المنظر الثاني: خاص بالانتخابات بنظام الفردي.. لم الاحظ أن أي مرشح أحترم القاعدة العريضة أو حتي الضيقة من الناخبين.. وطرح عليهم رؤيته أو برنامجه الانتخابي.. وإنما أعتمد بعضهم علي خدماته وصلاته وكلامه المعسول.. في حين اعتمدالمعظم علي شراء الاصوات.. وكانت ظاهرة سوف نتحدث عنها في السطور القادمة.. معظم الناخبين وصلتهم الرسالة.. وعلموا أن الامور تغيرت وأن المرشحين يلهثون وراء أصواتهم، وأن المرشحين ليسوا علي خبرة جيدة أو لديهم القدرة علي تحقيق طموحهم.. فكان الامتناع عن الذهاب للتصويت. المنظر الثالث: شراءالاصوات.. أو ظاهرة المال السياسي.. في ظل عزوف الناخبين عن الانتخابات لسبب أو لآخر .. لجأ معظم المرشحين إلي رشوة الناخبين، من قبل منهم ذلك.. وبالطبع لعبوا علي الفقراء والمهمشين.. الذين لا يستفيدون من المرشح سوي ما يحصلون عليه في موسم الانتخابات، فهو بالنسبة لهم موسم خير.. وفي ظل التهافت علي الناخبين الغلابة، أرتفعت اسهم الصوت في بورصة الانتخابات.. والتي نظمها سماسرة محترفون.. شاهدت بنفسي سماسرة من الرجال والسيدات، يجمعون بطاقات الرقم القومي من الغلابة.. ويذهبون بها أمام اللجان ويبدأون في مساومة المرشحين حتي يحصلوا علي أعلي مقابل.. ومنهم من أحترف اللعبة فكان يؤخر المزاد إلي الساعة الأخيرة، فترتفع بذلك قيمة الصوت.. ونجح المرشح الذي لديه القدرة علي دفع الاموال وشراء الاصوات. الغلابة يعلمون جيدا أن الامر لا يفرق معهم، سواء نجح أحمد أو الحاج أحمد.. فهم لن يروه بعد أن ينفض المولد، وان كل الاستفادة هي فيما يحصلون عليه أمام اللجنة.. ولكن هل عضو مجلس النواب الذي نجح بهذه الطريقة سوف يعمل لمصلحة المواطن ، أو حتي مصلحة الوطن، وإنما سوف يكون همه مصلحته الشخصية، وتعويض ما دفعه لكي ينجح؟! المنظر الاخير، وهو عام: أختفت الطوابير، وابتعد الشباب عن المشهد تماما.. واختفي معها تواجد الناخبين داخل اللجان الانتخابية، حتي ان القائمين علي تنظيمها كانوا أكثر من عدد الناخبين أحيانا.. وفشلت الحكومة في حث الناس للذهاب إلي الانتخابات، رغم انها استخدمت اسلوب التهديد والاغراء،.. التهديد بتنفيذ عقوبة ال 500 جنيه علي من يتقاعس.. والاغراء بمنح اجازات نصف اليوم للموظفين.. لكن الناخب كان اذكي منها.. واراد ان تصلها رسالة برفضه وعزوفه عن المشاركة في هذه التمثيلية الهزلية.. ويا ريت نتعلم! خرجت الحكومة تعلن اسبابا واهية لعدم اقبال الناس في المرحلة الاولي.. الطقس حار!!.. وفي المرحلة الثانية.. الطقس بارد!!.. الناس فعلا شعرت ان الاستحقاق الثالث غير مهم.. الناس فعلا مش عارفة المرشحين.. لكنهم استوعبوا الدرس بعد اخفاق الاخوان والسلفيين .. وقرروا أنهم مش هاينتخبوا ناس ما يعرفوهاش تاني. المشهد لم ينته بعد..بعض المرشحين ان لم يكن معظمهم فور اعلان فوزهم خرجوا بتصريحات استبقوا فيها الاحداث، البعض توعد الوزراء والمسئولين في عملية تخويف وإرهاب.. واخرون انحازوا لقضايا بعينها،المهم كله بيخدم علي الشو الاعلامي.. والكل عايز التمن.. تمن الوطنية التي احتكرها لنفسه.. وتمن التطبيل، الذي سيستمر فيه تحت القبة وتمن النفاق.. ومش مهم الناس.. وملعونة الكرامة والعيش والعدالة. الله يكون في عون الناس من هذا البرلمان!!.. انتهي المشهد واسدل الستار.. وانفض السامر وصاحبه لازال غايب.