((( ... طلب الزوج السابق من المحكمة إخلاء مطلقته لمسكن الحضانة بقوة القانون رغم أنها لم تتزوج غيره بعد طلاقها، ولم تتهم بسوء السلوك أو ارتكاب أعمال منافية للآداب وهي أغلب الأسباب التي يحكم فيها القضاء بأن تترك المطلقة مسكن الحضانة ليسترده مطلقها!.. اعتمد الزوج علي سبب آخر نادرا ما يثار أمام المحاكم وهذا هو سر غرابة هذه الدعوي.. خاصة أن المحامية التي حضرت الدعوي بتوكيل من الزوج كانت أمه المعروفة بصولاتها وجولاتها في القضايا الجنائية.. وكانت هذه هي المرة الأولي التي تقف فيها أمام محاكم الأحوال الشخصية.. كانت كالأسد الذي يتأهب لافتراس فريسته وكانت الفريسة مطلقة ابنها !..))) زوجة الابن.. أو مطلقته بمعني أدق.. صيدلانية لازالت في ربيع العمر.. أم لثلاثة أبناء، أكبرهم بنتا.. وأصغرهم طفلة.. وأوسطهم ولد!.. طلبت الكلمة وأذنت لها المحكمة.. قالت: سيدي القاضي.. السبب الذي تريد من خلاله محامية طليقي طردي من مسكن الحضانة هو أنني أنشأت صيدلية في مسكن الحضانة، وبهذا خرجت عن الغرض الذي كان من أجله هذا المسكن خاصا بالحضانة!.. لقد تزوجت مصطفي بكامل إرادتي العقلية وكل طاقتي العاطفية.. أحببته.. ولم يتغير هذا الحب قيد أنملة حتي بعد أن طلقني بأمر مباشر من السيدة والدته.. كنت أعرف من البداية أن أمه نجحت في تدريبه علي السمع والطاعة دون أن تقطع الحبل السري بينه وبينها.. ربطته بها حتي بعد أن صار شابا متفوقا في كلية التجارة ثم رجلا متزوجا، وأبا لثلاثة أبناء، وكنت أحترم هذا العيب فيه لأنه صار جزءا لا يتجزأ من شخصيته.. ولأنني تزوجته وأنا علي علم به.. ولأنني كنت أعزي نفسي كثيرا وأبرر هذا العيب بأنه من أشكال طاعة الوالدين وكسب رضائهما.. لكن يبدو أن حساباتي كانت خاطئة يوم ظننت أن مصطفي حينما يصبح زوجا وأبا سوف يحكم بالعدل بين أسرته الصغيرة وأمه.. هكذا وعدني يوم طلب يدي من أسرتي.. كان صديقا لأخي.. لكنه كان يعيش وحيدا في شقته الفسيحة بعد أن تزوجت أمه المحامية من أحد موكليها الأثرياء وهي في الخمسين عاما من عمرها.. كان مصطفي وقتها طالبا بالسنة الأولي بكلية التجارة.. وخطبني حينما وصل الي البكالوريوس.. لم تكن عنده أية مشاكل مالية فأمه تغدق عليه بالمال بلا حساب.. وكان يبكي أمامي كلما تذكر أيام تركته أمه لتذهب الي بيت عريسها.. صارحني أنه سمع بأذنيه عرض أمه علي عريسها أن يعيشا معا في بيتها.. لكن هذا العريس رفض بحجة أنه لن يستمتع بزواجه منها في بيت يعيش فيه ابنها الشاب!.. .. ومع هذا كنت أحترم مصطفي لأنه لم يفقد حبه لأمه وظل علي بره بها مما جعلني أطمئن الي حياتي معه.. تزوجنا وعشت معه أجمل سنوات عمري.. أنجبنا ثلاثة أبناء جعلوا حياتنا جنة فوق الأرض.. لكن بعد سنوات حدث ما لم أتوقعه.. عادت أمه الي بيت الزوجية الذي أعيش فيه بعد أن طلقها زوجها.. كانت حريصة علي ألا أعرف سبب طلاقها وكأنني غريبة عنهم.. تختلي بابنها ويتبادلان الهمس حتي إذا شاهداني سكت الكلام!.. ورغم أنني لم أعر هذا الأمر أدني اهتمام، إلا أنها كانت تتصيد لي الأخطاء أو تخترعها.. وكنت أحتمل!.. أرادت أن تزرع الشك في قلب زوجي فإذا تحدثت في الهاتف سمعتها تهمس له وهي تدفعه نحوي: اجري.. شفها بتكلم مين؟! كان زوجي يطلب مني الصبر.. وصبرت!.. وكانت تتعمد الإساءة الي أسرتي الفقيرة أمام أبنائي وتفاخر بأسرتها الثرية.. وكنت أتحامل علي نفسي!.. وأخيرا وقعت الواقعة.. لفقت لي تهمة ظالمة وأقنعت وحيدها أنني أذعت سرها وأخبرت جيراني وزوجة البواب بسبب طلاقهامن موكلهارغم أنني لا أعلم هذا السبب حتي الآن.. ثار زوجي وهاج وماج حتي ضربني بعنف وسالت مني الدماء.. تركت البيت الذي هدمته حماتي الي بيت أسرتي.... وقدمت للمحكمة تقريرا طبيا بإصاباتي وشهادة رسمية بأنني تنازلت عن حكم الحبس الصادر ضد زوجي من أجل أبنائي.. حصلت علي حكم بالطلاق وبأحقيتي في مسكن الزوجية باعتباري أما حاضنة.. عدت بأبنائي الثلاثة الي بيتي.. اختلطت مشاعري ولم أعد أعرف إن كنت سعيدة برحيل حماتي عن هذا البيت الذي هدمته.. أم حزينة علي انفصال زوجي عن أسرته.. فما ذنب الأولاد ليحرموا من أبيهم؟!.. رضيت بالهم، لكن يبدو أن الهم لم يرض بي، فبدلا من أن تتركني حماتي أربي أولادي شنت ضدي حربا قانونية.. ادعت أنني تزوجت عرفيا من شخص ما وبالتالي تسقط حضانتي ويسترد مطلقي مسكن الزوجية.. وكان الأمر يدعو للسخرية.. فالزوج المزعوم هو مدرس اللغة العربية الخصوصي.. تطوع سكان العمارة للشهادة لصالحي وبأن أولادهم يتجمعون في بيتي في الدروس الخصوصية بنظام المجموعة نظرا لضيق شققهم وأن الزوج المزعوم يقوم بالتدريس لأولادي وأولادهم.. وخسرت حماتي القضية.. لكنها لم تيأس!!.. ظننت بيني وبين نفسي أن الأمر انتهي عند هذا الحد.. انشغلت بأولادي ولأن حياتي أصبحت صعبة ونفقة مطلقي لهم لا تكفي الطعام والشراب والملبس والتعليم .. قررت أن أعمل خاصة أنني خريجة كلية الصيدلة ولم اعمل لكي اتفرغ لاسرتي.. قررت تخصيص نصف الشقة ليكون صيدلية تخدم سكان العمارة وتحقق لي دخلا تعيش منه اسرتي.... عادت حماتي لرفع دعوي قضائية باسم طليقي الذي هو ابنها لطردي من مسكن الحضانة عملا بنص القانون الذي يلزم الحاضنة بعدم استخدام شقة الحضانة لغير الغرض المخصص له!!.. حصلت علي ترخيص من نقابة الصيادلة وموافقة من اتحاد الملاك فماذا تريد مني حماتي سوي الانتقام؟!.. إنني أضع مأساتي أمام عدالتكم.. لقد التزمت بالقانون وحرمت نفسي من الزواج وأنا في عز شبابي لأن رسالتي كأم صارت أكبر من حقوقي كأنثي.. لكن هل التزم بالقانون مرة أخري ولا أغير في مسكن الحضانة لنموت أنا وأولادي جوعا؟ المحكمة نبهت الحاضنة الي خطورة الموقف لأنها لن تحكم بالعواطف وإنما بالقانون.. وافهمتها أن الغرض من استقلال الحاضنة بمسكن الزوجية طبقا للقانون هو ضمان أن توفر لمحضونيها كل اهتمامها وأن تتعهد بصونهم، وهذا لا يستقيم مع استخدام مسكن الحضانة في غير الغرض المعد له، فلا يجوز لها أن تؤجر جزءا منه مفروشا.. أو تدخل غرباء علي الصغار.. أو استعمال جزء منه في غير أغراض السكني كأن تنشئ به مكتبا للمحاماة أو عيادة طبية.. ففي هذه الحالات يكون للمحكمة إنهاء حضانة الحاضنة لمنافاة واجبات رعايتها للصغار.. وأمرت المحكمة برئاسة المستشار عمرو البيه بتأجيل الدعوي شهرا.. وفي الجلسة التالية حضرت الزوجة وقدمت كل ما يثبت إعادة مسكن الحضانة الي سابق ما كان عليه.. وإلغاء الصيدلية .. ونقل كل ما يتعلق بها من المسكن.. بل ونزع اللافتة المعلقة في مدخل العمارة وتعلن عن وجود الصيدلية في الطابق الثاني!.. وقضت المحكمة باستمرار الزوجة في مسكن الحضانة دون أن تكتب في أسباب الحكم أن نصوص القانون رقم 100 لسنة 1985 كانت مجافية للواقع في هذا الشأن ويحرم الأم الحاضنة من العمل الشريف لمجابهة غلاء المعيشة، خاصة أن مسكن الحضانة مكون من أربع حجرات ولن يؤثر علي المحضونين وإنما سيوفر لهم حياة كريمة.. !