فقد بنيامين نتانياهو بوصلة السيطرة علي إرهاب المستوطنين في القدس، وربما ساهم في تلك الحالة وزراء حكومته، الذين ينتمون في معظمهم لمعسكر اليمين المتطرف، فالمستوطنون يعربدون في باحة الأقصي، ويدنسون حرمه الشريف بمظلة من قوات جيش الاحتلال والشرطة، وفي المقابل انتفض المقدسيون والفلسطينيون في الضفة الغربية دفاعاً عن المقدسات، وتدحرجت كرة النار في كل مكان، حاملة معها بوادر انتفاضة فلسطينية ثالثة، وعلي الجانب الآخر تقف المعارضة الإسرائيلية في خندق منفرد، تحاول من خلاله استغلال الأوضاع المتردية، وإثبات فشل حكومة «الليكود» في تهدئة الخواطر، أو علي الأقل حسم المواجهات سريعاً، وفرض الهدوء مجدداً. نطاق حكومته الثابت بموجب قراءة المشهد، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يكترث بتردي الأوضاع في القدس والضفة الغربية، وإنما يحاول استغلالها لتوسيع نطاق حكومته، وتدجين الأصوات المعارضة عبر ضمها للائتلاف، ولعل ذلك كان واضحاً خلال تصريحاته الأخيرة، التي أوصي فيها بضرورة تضافر جميع القوي، أمام ما وصفه بموجة العنف المتصاعد في القدس والضفة الغربية، وأضاف صراحة: «أنا أعرف ما أريده، إنني أرغب في حكومة واسعة النطاق، يمكن من خلالها توحيد الشعب». وتناسي نتانياهو تصريحاته الأخيرة، التي سبق وأعلن فيها غير ذي مرة خلال حملته الانتخابية، أنه يتطلع إلي تشكيل حكومة بعضوية «الشركاء الطبيعيين»، نافياً بسخرية بالغة رغبته في ضم أقطاب المعارضة، ممثلين في «اسحاق هيرتسوج، وتسيبي ليفني»، وقال حرفياً حينئذ: «إذا انضم اليسار والوسط للحكومة، فسوف نزور حائط المبكي، مستقلين مدرعات وحاملات جنود». في إشارة واضحة من نتانياهو إلي أن حكومة اليمين ستتمكن من تهدئة الأوضاع، خاصة في القدس (أكثر المناطق سخونة في الأراضي المحتلة). لكن واقع الحال في الوقت الراهن، يؤكد حاجة نتانياهو أكثر من أي وقت مضي لحكومة موسعة، تستقطب أصوات المعارضة داخل ديوان رئاسة الوزراء. محاولاته الدءوبة لم يعد أمام نتانياهو في هذه المرة من يُلقي عليه مسئولية فشله، وبحسب المحلل السياسي الإسرائيلي «بن كاسبيت»، ألقي رئيس الوزراء نتانياهو أكثر من مرة إخفاقاته علي المعارضة، خاصة زعيمها «اسحاق هيرتسوج»، لكن تصريحاته الأخيرة حول الحكومة الموسعة، تأتي دليلاً علي استمرار محاولاته الدءوبة، الرامية لضم هيرتسوج للحكومة. وأبدي «بن كاسپيت» في مقاله المنشور بصحيفة معاريڤ استبعاداً لقبول هيرتسوج لدعوات نتانياهو، لعلم الأول بالمعضلة السياسية التي يمر بها الثاني. الأهم من ذلك هو السباق الماراثوني، الذي يخوضه نتانياهو مع هيرتسوج، ففي الوقت االذي يسعي فيه رئيس الوزراء لتدجينه عبر ضمه لحكومته، يستعد هيرتسوج للانفتاح علي الخارج وإحراج نتانياهو، وربما ينتهز هيرتسوج فرصة انعقاد مؤتمر اللوبي اليهودي (إيپاك) في نيويورك، في الفترة ما بين 8 إلي 10 نوفمبر المقبل، لتحريك المياه الراكدة ضد حكومة الليكود. الحركة العنصرية الأكثر من ذلك هو تزامن المؤتمر اليهودي مع مرور 40 عاماً علي خطاب والده «حاييم هيرتسوج»، رئيس إسرائيل الأسبق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي وصف فيه الصهيونية ب «الحركة العنصرية». وستتيح تلك المناسبة الفرصة أمام «هيرتسوج الإبن» لتشويه صورة حكومة نتانياهو، فضلاً عن أن الأمور مرشحة بين الرجلين للتصعيد، إذا أصر نتانياهو علي إلقاء كلمة في تلك المناسبة قبل أو بعد هيرتسوج، وهو المشهد الذي سيؤثر سلباً علي اللقاء المزمع بين نتانياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال الزيارة المرتقبة.