للمبدع السوري سعد الله ونوس مسرحية رائعة بعنوان "الفيل يا ملك الزمان" حققت رواجا هائلا عند ظهورها في مستهل السبعينيات.. في هذه المسرحية، يحاول ونوس أن يكشف سر إجهاض الثورات وإحباط مشاعر التمرد لدي العناصر الواعية في أي مجتمع نتيجة لتقاعس الانهزاميين والانتهازيين وسلبية بعض من يتراجعون عن مواقفهم الثورية إما خوفا من السلطة أو رغبة في تملقها.. تتحدث المسرحية عن فيل مدلل لأحد الملوك واعتاد هذا الفيل علي العربدة في قلب المدينة فيدهس المواطنين ويحطم متاجرهم وممتلكاتهم دون أن يجرؤ أحد علي منعه أو التصدي له.. تجتاح مشاعر الغضب أحد أبناء المدينة إزاء أفعال هذا الفيل الملكي المدلل، فيحرض المواطنين علي التحرك والذهاب لمقابلة الملك لابلاغه بشكواهم.. وبعد جهد كبير، يوافق جمع من المواطنين علي مرافقته لمقابلة الملك. وما إن مثلوا بين يديه حتي بادرهم الملك بسؤال.. ماذا جاء بكم؟ ورد الشاب الثائر قائلا: الفيل يا ملك الزمان. سأل الملك بصوت جهوري مرعب: ما به الفيل؟ نظر الشاب إلي مواطنيه ليتكلموا ويعلنوا شكواهم فإذا بهم جميعا صامتون وقد ارتسمت إمارات الخوف والهلع علي ملامحهم وكأن علي رؤوسهم الطير. ويعيد الملك سؤاله بعصبية وغضب. ما به الفيل.. تكلموا؟ لكن دون جدوي.. هنا أخذ الملك يصرخ فيهم.. لماذا جئتم؟.. ماذا تريدون من الفيل؟ نظر الشاب إلي رفاقه فإذا برؤوسهم منحنية وأبصارهم زائغة.. بعد فترة من الصمت الرهيب تقدم الشاب في اتجاه الملك وقد سيطرت عليه مشاعر الهزيمة والانكسار قائلا.. مولانا.. جئنا إليكم لنبلغكم بأننا نتألم لمعاناة هذا الفيل.. إنه وحيد ويحتاج لفيلة أو زوجة تساعده علي الاستمتاع بوقته.. حرام يا مولاي أن نترك فيل الملك يعاني من قسوة الوحدة.. أحداث هذه الرواية تدور بكل تأكيد في أحد بلدان عالمنا العربي التعس.. ويبقي السؤال.. من المسؤول عن كل هذا الظلم والاستبداد؟ هل هي قسوة السلطة وبطش الحاكم أم هي انتهازية البعض وسلبية البعض الأخر وعدم قدرتهم علي مواصلة تمردهم حتي تتحقق كل أحلامهم المشروعة.. فيل آخر، تصدر أهم أحداث العالم قبل أيام لكن القصة هذه المرة حقيقية وجرت أحداثها في دولة أوروبية هي إسبانيا. أصيب العاهل الإسباني، خوان كارلوس، بكسر في الفخذ خلال رحلة صيد قام بها في دولة بوتسوانا الافريقية. وتبين أن الملك كان في رحلة لصيد الأفيال. وهنا انفجرت ضده عاصفة من الانتقادات في اسبانيا وبقية الدول الاوروبية.. في مواجهة كل هذا الهجوم الشرس، لم يغضب الملك خوان كارلوس ويكشر عن أنيابه، كما فعل الملك في رواية سعد الله ونوس، بل قدم اعتذارا مباشرا. اعترف فيه بالخطأ وأعرب عن ندمه علي ما فعل وقال لشعبه بالحرف الواحد: "أنا آسف جدا.. كنت علي خطأ ولن يتكرر ذلك أبدا مرة أخري.. سامحوني." رغم ذلك، لم يغلق ملف ملك إسبانيا والفيل بل أكد البعض أن ما فعله خوان كارلوس مسمار في نعش الملكية الإسبانية فالشعوب لا تنسي جرائم حكامها لمجرد اعتذارهم عما ارتكبوه. أما عندنا، فالمأساة أننا شعوب بلا ذاكرة.. ننسي جرائم حكامنا حتي دون اعتذار.. بل أننا في أحيان كثيرة نبادر نحن بالاعتذار عن جرائم الحكام في حق البشر وليس الأفيال. ومن لا يصدق فليتذكر شعار "إحنا اسفين يا ريس!"