لشهر رمضان الكريم ..نكهة خاصة روحية وزمنية مميزة من بين شهور العام علي كل المستويات.. أولها مايتركه علي المستوي الروحي والذهني من حالة عميقة من التفكير والتطهر والتهذيب الخلقي .. فتكثر فيه العبادات والشعائر الدينية والواجبات والالتزامات العائلية والإنسانية. وفي ظلال هذه الأبعاد الأخلاقية.. والروحانية العبقة المتسامية .. ينفتح الزمن الجميل علي قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته... وتتيح هدأة النهار لسماع الأصوات الشجية وهي تجود في قراءة القرآن كأنها ألحان قادمة من السماء .. فتصفو الروح كما لم تصف من قبل وتتجدد .. وينجلي عنها غبار الأيام وسوءات الذات العارية المنكشفة أمام ذاتها. نكهة أخري يتميز بها الشهر الفضيل .. ووسمت لياليه منذ زمن .. هي نكهة السهر والترفيه البرئ والهادف .. فإلي جانب مائدة الإفطار الشهية .. تمتد مائدة أخري بصرية وسمعية من البرامج والمسلسلات التلفزيونية .. تأتيك مختالة متراقصة بضغطة زر من إصبعك علي الريموت كنترول فتمنحك إما بهجة المتابعة ومتعة الاستغراق البصري .. وإما تصيبك بالغثيان !!.. فتنفض من حولها إلي مايفيد ويغذي الروح والبصر. أنا لست من الذين يديرون ظهورهم للتليفزيون ومسلسلاته في هذه الليالي البديعة .. لكنني أجدني أكثر انتقائية ودقة في اختيار بعض ما أريد مشاهدته مع الحرص علي استغلال فائض الوقت الوفير في نشاطات أخري.. كالقراءة المتعمقة في كتب الفكر الديني المستنير أو التاريخ الإسلامي أو في ممارسة الكتابة و التأمل . فليس كل مايعرض من مسلسلات وبرامج يستحق المشاهدة .. لا علي مستوي جودته .. أو علي مستوي كثرته وفوضي عرضه وتوقيته .. لكنني لا يمكن إغفال مشاهدة القليل لما فيه من إثراء عقلي وجمالي وروحي كبعض المسلسلات التاريخية جيدة الحبكة والصنعة .. أو المسلسلات الدرامية لما تتضمنه من نقد اجتماعي لاذع لبعض جوانب وممارسات حياتنا اليومية .. وبعض هذه المسلسلات كوميدية ساخرة يؤديها ممثلون مبدعون علي مستوي عال من الرقي في الرؤية ولهم باع طويل في الأداء والتشخيص . بعض هذه المسلسلات والبرامج كثيرا ما يطيب لها مكاشفة الذات والواقع المؤلم الذي نعيشه .. مكاشفة تأخذ طابعا إنتقائيا وأخلاقيا مستثمرة بشكل مبدع كثافة المشاهدة و" اللمة العائلية " وخاصة في فترة مابعد الإفطار حيث يطيب الجلوس والاسترخاء مع فنجانٍ الشاي ... وفي الأسبوع القادم لنا وقفة رمضانية .