جاءت استقالة وزير العدل علي خلفية كلامه الصريح عن عدم قبول أبناء الزبالين ومن علي شاكلتهم في سلك النيابة والقضاء كحجر ألقي في مياه بحيرة راكدة فخرجت الرائحة النتنة لتصيب المجتمع بصدمة اجتماعية سياسية نفسية. ينص الدستور الذي تحكم به البلاد حاليا في مادته رقم ( 9 ) علي : « تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز «. وفي مادته رقم ( 12 ) علي : « العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة.. «. وفي مادته رقم ( 14 ) علي : « الوظائف العامة حق للمواطنين علي أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة .. «. راجع ما جاء بالدستور وطبقه علي ما حدث مع ابن الزبال، ماذا ستجد ؟. ستجد عارا. فالدولة التي تمثلها الحكومة تدعي أنها تحترم الدستور والقانون ومصالح الشعب رعاية كاملة، وهذا هو القسم الذي أقسم عليه رئيس الجمهورية والحكومة بكاملها، بينما كشفت قضية ابن الزبال عورات الحكومة وادعاءاتها بشأن إعمال دولة القانون. وهل تجهل الحكومة ما يحدث في قبول أبناء الأكابر في القضاء والشرطة ؟ إنها تغض الحكومة البصر عن ذلك لأنها حكومة تنحاز إلي طبقة معينة تحميها بالمحسوبية ؟. يحلو للبعض أن يباهي بقيام المصريين بثورتين في فترة تقل عن ثلاث سنوات وهو أمر في رأي البعض مذهل ومبهر لا يمكن لشعب آخر أن يقوم به إلا الشعب المصري طبعا !! لكن هؤلاء البسطاء في تفكيرهم لا يدركون أن الثورة إنما تقوم لتصحيح الأوضاع وفي الحالة المصرية لا أعتقد أن أمرا قد صلح حاله، بل العكس هو الصحيح. ولو ركزنا علي حالة ابن الزبال فهي ليست إلا انعكاسا لما أصاب المجتمع منذ السبعينات من فساد نخر في عظامه فأعاد التركيبة الطبقية التي قامت ثورة 23 يوليو 1953 لتقضي عليها. ولنتذكر أن ثورة يوليو المجيدة أكدت في واحد من مبادئها الستة علي : « إقامة حياة اجتماعية سليمة «، ورغم نجاحها إلي حد كبير في تحقيق هذا المبدأ إلا أن الدولة تراجعت وتتراجع حاليا عن هذا الالتزام وصارت تنحاز لطبقة معينة في وضع يشبه الأوضاع الطبقية التي سبقت قيام الثورات في العالم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. إن فترات التحول الاجتماعي التي تشهد مصر مثلها حاليا تتسم بقدر كبير من صراع القيم بين المؤسسات المختلفة، وأخطر ما ينتج عن هذا الصراع، تهميش فئات معينة من المجتمع، أي دفع الأفراد والكتل خارج دولاب العمل المنظم الأمر الذي يفتح الباب أمام نوازع اليأس والإحباط وتكدس السخط في الصدور وهو ما يدفع تلك الفئات إلي التعصب والاتجاه نحو العنف ويصبحون من أهم عناصر الخطر. وقد اعتمدت جماعات التكفير علي انتشار الفساد الموجود واتساع رقعته بالدولة كأهم برهان علي كفر المجتمع والدولة والحاكم. إن واقعة ابن الزبال تؤكد أن الحديث عن دولة القانون مجرد شعارات في غياب للحقوق والحريات فدولة القانون دولة عدل ومساواة بين المواطنين ودولة حماية لحقوق وحريات مواطنيها دون تفريق بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الدين، بينما تضعف دولة القانون وتتآكل وتضمحل أمام المحسوبية والفساد. آن للرئيس السيسي ونظامه أن يضعا صورة واضحة المعالم للمجتمع المصري الجديد فثورة 30 يوينو ليست مجرد تغيير لشخص الحاكم إنما يجب أن تصبح معني اجتماعيا بعيد الأثر عميق الجذور فالثورة في الأصل تغيير حقيقي في المجتمع ينتقل به من أوضاعه التي قامت بسببها الثورة ويصل به إلي ما يحقق آمال جموع الشعب. وإذا كان الرئيس السيسي يردد أن المصريين عاشوا 30 عاما من الفساد يقصد عصر مبارك فعليه أن يجعلنا نعيش أعواما من النزاهة والشفافية حتي لا نصل إلي مرحلة تتصارع فيها الطبقات ويتغير التاريخ مرة أخري.