ليه الزيف له سيف وحصان ؟ ليه الصدق بنص لسان ؟! ونعيش ليه خُرس وعميان ؟ ويموت جوّانا الانسان ؟! (من مسلسل الأيام) باستأذن القراء الأعزاء، اني أخصص اليوميات النهاردة، لتقديم شاعر شاب، باعتز بصداقته، وباحب مشروعه الشعري، وتابعته من بداياته، ويمكن أكون اختلفت مع بعض رؤاه، أو مع بعض آرائه ومواقفه، بس الشهادة لله، ده – من وجهة نظري – صاحب موهبة شعرية كبري، توحي بداياته – من أول قصيدة قريتها له – بأنه صاحب مشروع شعري متميز، وادعو معايا ان ربنا يفك حبسه، ويمتعه بالصحة والقدرة علي استكمال مشواره الابداعي. عمر حاذق اسمه عمر حاذق، مصري اسكندراني، مثقف دمث الخلق، ونبيل السلوك، عرفته من أكتر من عشر سنين، وكان بيشتغل مترجم في مكتبة الاسكندرية، وعرض عليا نماذج من شعره، وبهرني باقتداره وتمكنه وبراءته وبساطته العذبة، ولاحظت بعض ظلال التأثرات بالرائع نزار قباني، لدرجة إني شكيت في انتحاله لأشعار ما اعرفهاش لعمنا نزار، بس الشك ده ما استمرش كتير، لأن ملامح الخصوصية والتفرد لشاعرنا أزالت وأزاحت كل الشكوك، وما فضلش جوايا إلا الإحساس بان شاعرنا منفتح علي ديوان الشعر العربي (وبالتحديد شعر الغزل من عمر بن أبي ربيعة لنزار)، وانه ما اتخلصش لسه من بعض التأثرات، وده شيء طبيعي في البدايات، وعلامة صحة شعرية، لأن الأصالة ما بتجيش من الانغلاق علي الذات الشاعرة، لكن بتيجي – علي رأي ت.س. اليوت – من هضم التأثرات، وعلي رأي برناد شو : الأسد جملة خراف مهضومة. ولما هجرت مقر اقامتي السكندري، ورجعت للقاهرة، فضلت المودة بيني وبينه موصولة علي البعد، وفضلت اتابع ابداعاته الشعرية، ومسيراته الاحتجاجية، مع بعض شباب المكتبة، ضد بعض جوانب الفساد اللي شوهت وش مكتبة الاسكندرية، واتفصل عمر حاذق من عمله في المكتبة، وبعدها وصلني ديوانه الأول، وبرغم ان عنوان الديوان صدمني، وكان ليا تحفظات علي بعض القصايد، إلا اني كنت مبهور بالجسارة التجريبية للشاعر، واكتمال نضجه، وتميز صوته الخاص. ومع ثورة 25 يناير، اندفع عمر حاذق للمشاركة مع جيل القدر في أحداث الثورة، وهو دلوقت محكوم عليه بالحبس والغرامة، ومحبوس في أحد سجون الاسكندرية، في قضية من قضايا تصفية الحساب بين أجهزة دولة الفساد والتبعية وبين ثوار يناير، واللهم لا اعتراض علي أحكام القضاء، بس كلنا عارفين ان النظام القديم المعفن لسه معشش في كتير من أجهزة دولتنا، وان الداخلية ما زالت محتفظة بقدرتها القديمة علي تلفيق وتزوير الأدلة والمستندات ضد الثوار، زي ما هي ما زالت قادرة علي إخفاء وطمس الأدلة لحبايبها أعمدة وديول نظام التبعية والفساد، وعمر محكوم عليه بتهم حمل السلاح وتخريب الممتلكات، وربنا يعلم، وكل اللي يعرفوا عمر وشباب يناير يعرفوا، ان عمر واللي زيه عمرهم ما شالوا سلاح، ولاحدفوا طوبة، وانهم محبوسين ظلم زي ما اعترف الرئيس السيسي من حوالي شهرين، وما اعرفش ليه لسه ما اتحققش وعده بالافراج عنهم. وعمر محبوس من أيام الرئيس عدلي منصور، ووقعت – مع غيري من المثقفين – أكتر من عريضة تطالب بالافراج عنه هو والشباب، ولا حياة لمن تنادي، وصدر حكم الحبس والغرامة عليه في عهد الرئيس السيسي، وما زلنا نأمل أن يحقق الرئيس وعده كاملا. ومن زنزانته، بعت لي عمر من مدة رواية كتبها في ضلام الزنزانة، وما سعدنيش حظي ولا أسعفني الوقت اني أكمل قرايتها، والأسبوع الماضي لقيته باعت القصيدة الجميلة دي، وده بيأكد لي ان ما حدش ح يقدر يكسر روح هذا الجيل من الشباب، وما حدش يقدر يحبس الهوا ف قفص. إذا ما لقيتُكِ يا مصر يومًا إذا ما لقيتُكِ يا مصر يومًا، إذا ما لقيتِ عجوزًا وحيدًا يسير ويربط أحلامَه مثل كلبٍ... إذا شاء ربِّي... فأرجوكِ أن تُخبريني غرامُكِ، يا مصر، ما لونُهُ ؟ و لماذا يخبئ دومًا مساميره فوق دربي ؟ لماذا يمدُّ الجذور حواليّ حتي يخدّرني، ثم يتركُ في القلب عضَّهْ ؟ إذا ما لقيتُكِ يا مصر يومًا فأرجوكِ أن تخبريني لماذا أخاف عليكِ كأبِّ، أُحِسُّكِ، أَسهرُ في ليل زنزانتي مستعدًا إذا ما صرختِ أمد يديَّ وقلبي لأسند قامة َ نيلكِ ؟ ماذا جنيتُ من الحبِّ غيرَ فروخ ٍ من الوجع الحلو تكبر في عش روحي وسرب ٍ من الأمنياتِ الممضَّهْ، وأني أخبئ كراستي هذه مع أني أصوغكِ في ذهبٍ من كلامي وفِضَّهْ!! لماذا إذا أصبح الصبحُ قمتُ ألبي ، إمامًا أصلي لحبكِ سنّتَه ثم فرضَه ْ وأحمل زادي: من الأمل البِكْر أجْمَعَه ُ، ومن الدمع ِ بعضَه ْ. أفكرُ فيكِ وأنظرُ هذا الشعاع َ الصغيرَ رسولا ً من الشمس ِ قربي يغافل قضبان زنزانتي بين فَرْح ٍ ورُعْبِ يرفرفُ، ينثُرُ فيَّ فتاتًا من النور ِ، ينقرني مثل عصفورةٍ فأطيبُ وآخذ ُ من كلماتي الجميلةِ قَبْضَه ْ، وأنشرها تحت شمس ِ الشعاع ِ المُحبِّ إلي أن تلينَ وتنبتَ أشرعة ُ اللحن ِ فيها فأركبها ؛ تلك أهلي وصحبي تسافر بي وأنا سارحٌ بصَري فيكِ... أشتاقُ حتي لهذا الحمار المفضَّض ِ يجري بفلاحه كغزال ٍ ليحرثَ أرضَه ْ. أنا سارحٌ بصري فيكِ عُمالُكِ الكادحون يمرون جوعي أمامي فأَقْسِمُ من كلماتي لهم، واحدًا واحدًا، عُلبتيْن ِ حليبًا، رغيفًا وبيضَه ْ. أفكُر فيهم وفيكِ وفيَّ أردتُكِ أمي، أردتُهُمُ إخوتي، وأردتُ لكم جسدي في ليالي الشتاءِ دثارًا ؛ أردتُ كثيرًا كثيرًا ولكن بغَمْضَهْ، إذا بي أستحم بهذا الشعاع المحبِّ ليغسل عن جسدي جربًا جائعًا، وإذا بي أرمِّمُ عينيَّ، مفصل ساقي، أحدّق في السقفِ كي لا أري أحدًا ، يا حبيبة ُ ماذا علينا إذا ما حلمْنا معًا، أي ذنبِ !! وماذا علينا إذا خدعونا بحلم ٍ جميل ٍ، بنهضه ! أحدّقُ في السقفِ... ماذا ارتكبتُ ؟ لماذا جلدتِ حنيني، وطاردتِ شعري، وأهرقْتِ فيضَه ْ؟ أفكر فينا، أَمَا كنتِ أنتِ ؟ أمَا كنتُ نفسي أنا ؟ وينايرُ ذاكَ.... أمَا كان شهر الرحيل ِ إلي الذكرياتِ كما يرحل النهر نحو المصبِّ، أمَا وَسِعَ الأرضَ حبًا وحرية ً وسلامًا ؟ ينايرُ آهٍ... فمازلتُ أسمعُ صيحتَه في دمائي وأعرفُ نَبْضَهْ. ينايرغنَّي: سفينة ُ هذا الزمان ِ أنا أينما شئتُ أبحرتُ، أحمل شمسي معي ورياحي وسُحبي. جميع الميادين مرسًي لحريتي، والجماهيرُ حين تنادي سأغزلُ موجًا كثيرًا لها آنَ لي أنْ أبعثرَ ركبَ الزمانِ ِ علي أرضنا، وأفضَّهْ. فأمّا الشهور فقالتْ: ينايرُ جُنَّ و فرّقَ أيامه كالبذور بأرحام تلك الميادين، وهْيَ أماكنُ، جُنّ ومدّ جذورًا بأفئدة الثائرينَ، وهم بشرٌ، نحن أسياد هذا الزمان، حَكَمْنا عليه : ينايرُ جُنَّ وأعلنَ رفضَهْ، سيصبح أضحوكة ً للسنين جميعًا كسيرًا، مُعَرًّي، ذليل الخُطي، لا وسامَ له، بل سيُمنح عكازَ كهل ٍ ورعشتَه في الكلام ِ، ونقضَه ْ. وأولادُه، هؤلاء اليتامي، إذا عبروا بميادينهم أنكَرَتْهُمْ كما اللقطاء، حَكَمْنا عليهم : سنُطْعِمُهُمْ للسجون ِ فتأكُلُهُمْ مثلَ فئراننا، قَرْضَة ً بعد قَرْضَه ْ. وأما أنا فعشقتُكِ من أول الخطو ِ نحوكِ، ما دلّني أحدٌ، ما لقيتُكِ من قبلُ يا مصرُ، لكنْ هداني إليكِ الذي كان يهدي الجِراءَ لأثداءِ أُمَّاتِها وينايرُ ذاك الذي اندسَّ فينا ليُكمِلَ رَكْضَهْ. كذلك ذقنا معًا حبنا وذهبنا نُعلِّقُ أحلامنا في حبال ِالغسيل ِ.... يناير أسكرنا وسقانا من العشق مَحْضَه ْ. يُخَيَّلُ لي أنّ هذا الغناءَ،وقد فاض عن كأسهِ، لن يسيل علي الأرض ِ، بل سيسير علي جسدي، وسيطبع آثار أقدامهِ، سيطيرُ، ويوم أموتُ سيهوي إلي الأرض ِمثلَ شهابٍ، سيهوي ولكنْ سيتركُ في حَلَكِ الليل ِومضَه ْ يُخَيَّلُ لي يا حبيبة ُ أني منذ عشقتُكِ صرتُ أفكر في الموت مثل صديق قديم ٍ سيجمعنا الدهرُ ذاتَ نهار ٍحزين ٍ فأحضنُهُ باشتياق ٍ فأنظر في جسدي المتهدّم ِ، يومئُ لي صاحبي بحنان ٍ:»تعالَ، ستنزلُ روضَه ْ». فأخرجُ من دمعتي وأروحُ... أقول لنفسي: كفانيَ أني سأمضي إلي حضنكِ الأبديِّ وأني كنتُ بقلبكِ يومًا مجردَ نبضَه ْ. عمر حاذق مارس 2015