هي أكثر الميلشيات غموضا، فلا يعرف عنها وعن أنصارها سوي أنهم يتبعون المذهب الزيدي، ولم يستطع أحد اختراق حركة الحوثيين اليمنية حتي الآن، من هنا تأتي أهمية الفيلم التسجيلي «الكفاح من أجل اليمن» الذي يتغلغل داخل الحركة ويكشف جذورها من مرحلة إحياء العقيدة حتي السيطرة علي السلطة في اليمن، ويتتبع الفيلم أبعاد التطورات علي أرض الواقع بدءا من حروب الحوثيين مع الحكومة اليمنية أوائل عام 2000 حتي سيطرتهم علي صنعاء، وقد بث التليفزيون الرسمي الأمريكي الفيلم مؤخرا. ويوضح الفيلم أن المذهب الزيدي اتسم تاريخيا بطابع التمرد الذي تعود جذوره إلي ثورة الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في الكوفة ضد الدولة الأموية في القرن الثامن الميلادي ومقتله علي يد والي الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك. وقد لعبت عوامل كثيرة في تبلور الظاهرة الحوثية، منها العقائدي والسياسي والتاريخي والجغرافي ومنها ما هو متعلق بحقوق السكان في المناطق ذات الغالبية الزيدية. ويؤخذ عليها أنها جماعة تحارب بالوكالة عن إيران وقد يكون في ذلك الاعتقاد بعض الحقيقة إلا انه يحمل الكثير من المبالغة.. فقد ظهرت هذه المجموعة من المقاتلين من الشمال الفقير باليمن لتصبح أكثر القوي القتالية فعالية في البلاد، وبعد انهيار الدولة اليمنية في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح وجد الحوثيون أنفسهم بسهولة وجها لوجه أمام فراغ في السلطة وترهل في قدرة الدولة في السيطرة علي أراضي البلاد، كل ذلك مع كم هائل من الأسلحة جعل اليمن ينتقل إلي مرحلة جديدة من الصراع بدأت تكتسب طابعًا مذهبيا. ويعود الفيلم ليتحدث: والفكر الحوثي تأسس في مناخ من الإحساس بالظلم الذي يشكو منه الزيديون –الذين حكموا شمال اليمن لحوالي ألف عام– أما خطابهم الحالي فيركز علي معاداة الإمبريالية الأمريكية; شعاراتهم في كل مكان; «الموت لأمريكا»; «الموت لإسرائيل». «النصر للاسلام». كما أن العقيدة الأساسية في الفكر الزيدي تركز علي الحق في التمرد علي الحكم الظالم. ونتيجة للتهميش الذي تعاني منه مناطق الزيديين (معقل الحوثيين في الشمال بمحافظة صعدة يعتبر من أكثر المناطق اليمنية فقرا، فهي تفتقر إلي المدارس وفرص العمل والتنمية) بدأت ظاهرة الحوثيين في الظهور بداية التسعينيات مع تشكيل أول حركه باسم «الشباب المؤمن» التي اتخذت في بادئ الأمر طابعاً دينياً للبحث والدراسة ضمن إطار المذهب الزيدي. لكن بعد أحداث 11 سبتمبر وغزو العراق، طور زعيمهم حسين الحوثي منهجا جديدا جمع بين إحياء العقيدة ومعاداة الإمبريالية متأثراً بالأفكار العامة للثورة الإسلامية في إيران. وتبلورت الظاهرة كحركة مسلحة عام 2004 في غمرة المواجهات مع القوات الحكومية، وهو العام الذي قتل فيه حسين الحوثي مؤسس الجماعة ليخلفه أخوه الأصغر عبد الملك الحوثي. وقد اتخذت الحركة أسماء مختلفة حتي استقرت في النهاية علي اسم «أنصار الله».، وخرج الحوثيون من هذه الصراعات كقوة مقاتلة متمكنة. وإذا لم يكن الجماعة قد تأسست باعتبارها جماعة مسلحة فالحروب التي خاضتها مع الحكومة جعلتها تتمتع بقدرة قتالية عالية. ورغم أن الحوثيين يتخذون من شعاراتهم المناهضة للإمبريالية دليلا علي طبيعتها غير الطائفية، فإن ممارساتهم تثبت عكس ذلك.. فالمقابلات التي أجريت في الفيلم كانت إحداها مع إمام مسجد سني طرده الحوثيون للاختلاف في الرأي. في الوقت نفسه يتباين الموقف الشعبي من سيطرة الحوثيين علي مقاليد الامور في اليمن. ففي حين اكتسب الحوثيون شعبية بفضل برنامجهم لمكافحة الفساد، فإنهم صنعوا أعداء كثيرين بسبب ممارساتهم التي تنتهك حقوق الإنسان. بالإضافة إلي تجاوزات اللجنة الثورية التابعة للحوثيين، وهي تشكيل يتسم بالسرية ويثير ريبة الكثيرين، ورغم أن الحوثيين يقولون إنهم لم يأتوا للانتقام من أعدائهم فإن الفيلم حافل بأمثلة للمنازل التي هدمتها قوات الحوثي لمن اختلفوا معهم.