العام الخامس قبل الميلاد، هو تاريخ بداية معرفة البشرية للحرير والقطن، وبالتحديد في مصر والهند والصين، وحينئذٍ كانت تُستخدم أداة «النول» لصناعة النسيج المتماسك، وتميّزت مصر الفرعونية بدقتها في استخدام النول، وتشهد جدران المعابد علي ذلك فأغلبها يضم رسومات تصور فردين أو أكثر يستخدمون النول البدائي في العصر الفرعوني. والآن وفي عصر خطوط الأزياء العالمية والموضة، أصبح النول شكلا من أشكال التراث المعروضة داخل المتاحف، فالكثير بل الأغلبية من الشباب المصري لا يعرف ماهيته وفيم يستخدم وكيف، بالرغم من ارتدائه ملابس صنعت بالفعل علي النول البدائي. ومن بين هؤلاء الشباب صادفت «الأخبار» شابا أسوانيا في منتصف العقد الثالث من عمره، وبالرغم من تعليمه الجامعي إلا إنه احترف الصناعة علي «النول الخشبي»، وما كان مثيراً للدهشة ان «النول» مصدر رزقه الوحيد فلا مهنة له سواها. يقول «محسن النوبي»: ورثت العمل علي النول من أبي والذي ورثه بدوره من جدي، لذا فإن 35 عاماً من عمري قضيتها مع النول ما بين متفرج ومساعد وفي النهاية متقن بالعمل عليه، لدرجة اني صنعت هذا النول مع والدي بأيدينا بمعاونة أحد النجارين منذ عدة أعوام. أما عن رواج تجارة المنسوجات اليدوية فيقول محسن « كل الشباب المصري، وكذلك كبار السن يشترون المنسوجات من شال وكوفية وحجاب ومفارش، وهم لا يعرفون انها صناعة يدوية، لأن دقة صناعته عالية والجودة ممتازة علي عكس المستورد أو الجاهز». ويدلل علي حديثه قائلاً «عندما يأتي الزبون نعرض له الشال اليدوي ثم الشال المستورد الصيني فيختار تلقائياً اليدوي، وذلك يرجع لأمرين، الأول ان منتجات النول تكون خاماتها طبيعية من القطن والصوف والكتان، أما المستورد والجاهز فتدخل به أنسجة معدلة كيميائياً فيفقد ملمسه الطبيعي، ثانياً الألوان المستخدمة في النول زاهية ونقوم نحن بتنسيقها والتجديد بها كل يوم وهو أمر غير متواجد بالماكينات فالرسمة الواحدة تطبع منها الاف القطع». وعن كيفية عمل النول يقول محسن «في البداية نشتري الخيوط ثم نمكث 12 يوماً متواصلاً نُشكل كورا كبيرة من الخيوط مختلفة الألوان لاستخدامها في صناعة المنسوجات، ونعلقها بالنول ونبدأ العمل، وهنا الشال أو المفرش يأخذ يوماً كاملاً، أما اذا كان به رسومات مميزة فيأخذ يومين من العمل الشاق». ويشرح لنا محسن طريقة النسج قائلاً «النول الفرعوني عبارة عن آلة كبيرة خشبية تفرد عليها الخيوط بطريقة طولية بنظام تام، ونُحرك قطعة خشبية بالقدم ثم نُمرر إبرة ضخمة خشبية بين الخيوط لعمل الخطوط العرضية لتشكيل الرسمة». زبائن محسن أغلبهم من الجنسية الأمريكية مشيراً الي انهم يستطيعون تمييز أنواع المنسوجات جيداً وغالباً ما ينبهرون بالصناعة اليدوية، والألوان الطبيعية إلا انه يؤكد ان حجم الإقبال قل خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مشيراً الي ان أغلب الشباب في القرية يعتمدون علي السياحة. وعن امكانية التوجه لعمل أكثر ربحاً يقول محسن «لا أستطيع تركها، فهذه المهنة تحتاج لمن يطورها، وما يشجعني هي نظرة الانبهار في عيون كل مشتر، واذا رزقني الله وتزوجت سأعلم أولادي المهنة بجانب دراستهم، فالأعمال اليدوية ليست عيباً بل هي فن لا يتقنه سوي الفنان المتمكن، وهذا ما يميزني عن أي موظف آخر، فأنا رب العمل والموظف في آن واحد».