تمضي تونس في طريق إنهاء المسار الأخير في تحولها الديمقراطي بعد كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ناجحة أسفرت عن خروج الإخوان من جنة التوانسة وسيطرة حزب نداء تونس علي المشهد السياسي بعد أن أصبح رئيس الحزب الباجي السبسي رئيسا لتونس وهيمن الحزب علي أغلبية مقاعد البرلمان. وبعد مشاورات وإعلان مبدئي عن حكومة يقودها الحبيب الصيد بلا إخوان أعيد ترتيب الأوراق من جديد وأعلن رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد عن تشكيل حكومة ائتلافية واسعة يغلب عليها نداء تونس وتضم كذلك حركة النهضة الإسلامية التي نالت حقيبة وزارية وثلاث حقائب وزير دولة. بالإضافة إلي حزبي الاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس كي يضمن الصيد موافقة البرلمان علي منح حكومته الثقة بلا عناء. غير مؤثرة قبل أن تبدأ الحكومة عملها أصبح الصيد في مرمي النيران مجددا ففي المرة الاولي واجه الصيد انتقادات بسبب تشكيلة حكومته التي أعلنها الشهر الماضي وضمت مستقلين ومنتمين إلي حزبين فقط هما "نداء تونس" و"الاتحاد الوطني الحر" الليبيرالي، فاضطر إلي إدخال تغييرات جديدة اشرك فيها حزب النهضة بحقيبة وزارية واحدة يشغلها زياد العذاري وزيرا لوزارة التشغيل والتكوين. ورغم أنها وزارة غير مؤثرة إلا أن الصيد واجه عاصفة من الانتقادات من حزب نداء تونس لإشراك الإخوان في الحكومة الجديدة.وأعلن عدد من الأحزاب اليسارية رفضها لحكومته وعلي رأسها حزب الجبهة الشعبية الذي أعلن رفضه للحكومة وعدم منحها الثقة في البرلمان بسبب وجود الإخوان المتهمين بالفشل في إدارة البلاد طيلة السنوات الثلاث الماضية فضلا عن اتهامهم بالتستر والتساهل مع المتطرفين الذين ارتكبوا اغتيالات سياسية لرموز المعارضة دون محاسبة أحد حتي الآن. واتهمت الجبهة حزب نداء تونس بأنه خيب آمال الناخبين ولم يف بوعوده بحكم خال من الإخوان وأشارت إلي ان حزب النهضة دخل الحكومة الجديدة ليحافظ علي مصالحه التي ستقف حتما كالحجر العاثر في طريق محاسبة أي مسئول سابق عن تقصيره وفساده. من جانب آخر هناك اتجاه مشابه داخل حزب نداء تونس يرفض وجود الإخوان في الحكومة رغم أنه حصل علي المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية معتبرا تمثيل الحزب حتي لو بوزير واحد يتعارض مع وعود الحزب لناخبيه. وتضم الحكومة الجديدة ممثلين لأحزاب "نداء تونس" وله (86 نائبا) في البرلمان و"حركة النهضة" (69 نائبا) في البرلمان و"الاتحاد الوطني الحر" (16 نائبا) و"آفاق تونس" الليبيرالي وله 8 نواب. ووفقا للدستور يجب أن تحصل الحكومة علي موافقة 109 نائبا من اصل 217 نائب. وقد دافع الرئيس التونسي السبسي عن حكومته الجديدة مؤكدا أنه لم يتعرض لضغوط خارجية أو داخلية من أحد لإشراك الإخوان وأكد أن حكومة التوافق الوطني هي وحدها القادرة علي الخروج بالبلاد من أي شدة في ظل حالة انعدام الأمن والتهديدات التي تحيط بها من كل مكان. النظام البريطاني وتضم الحكومة الائتلافية الجديدة 25 وزيرا من بينهم ثلاث نساء تولين وزارات المرأة والأسرة والطفولة، والسياحة، والثقافة والتراث. واشتملت الوزارة الجديدة علي 16 كاتب دولة من بينهم ست نساء تولين حقائب خدمية، ليصل عدد النساء في الحكومة بأكملها إلي تسع نساء. يشار إلي أن منصب كاتب دولة في تونس يعادل منصب وزير دولة في النظام البريطاني، وهو عضو في الحكومة ويحضر اجتماعات مجلس الوزراء، كما يساعد الوزير المعني في ملف أو قطاع معين. وأسند الصيد حقيبة وزارية واحدة وثلاث حقائب وزير دولة إلي حركة النهضة الإسلامية التي حكمت تونس من نهاية 2011 حتي مطلع 2014 قبل أن تستقيل وتتخلي عن السلطة لحكومة غير حزبية، من أجل إخراج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت في 2013 إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة. ولا ينتمي الصيد لحزب حركة "نداء تونس" الفائز بالانتخابات لكن يبدو أن اختياره جاء بالتوافق مع بقية الأحزاب وعلي رأسها حركة "النهضة الإسلامية". كما يعتبر الصيد مقربا من الباجي قائد السبسي الذي سلمه حقيبة الداخلية عام 2011، وجاء اختياره لعدم انتمائه لحزب "نداء تونس" كخطوة لتقليل المخاوف من هيمنة الحزب علي السلطة بعد فوز قائد السبسي. والصيد من مواليد عام 1949 وهو أستاذ في علم الاقتصاد وشغل مناصب عديدة في الإدارة والحكومة التونسية، قبل وبعد الثورة.ففي عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي رحل في ثورة الياسمين عام 2011، كان الحبيب الصيد مدير ديوان وزير الفلاحة من 1993 إلي 1997 ثم مدير ديوان وزير الداخلية من 1997 إلي 2000 وعضو المجلس الوطني للفلاحة من 1992 إلي 1995. أوسمة شرف شغل الصيد منصب وزير دولة لدي وزير الفلاحة من 2001 إلي 2003 فكلف بالصيد البحري ثم بالبيئة.كما ترأس الصيد شركات حكومية تونسية، وحصل علي أوسمة شرف برتبة قائد عام 1982 ورتبة ضابط عام 1992.وعين الحبيب الصيد وزيرا للداخلية في حكومة الباجي قائد السبسي الذي تولي هذا المنصب بتعيين من الرئيس المؤقت فؤاد المبزع (والذي كان رئيس البرلمان في عهد بن علي) في 27 فبراير 2011، بعد استقالة رئيس الوزراء محمد الغنوشي (الذي كان أيضا رئيسا للوزراء في عهد بن علي). وقام الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي في ديسمبر 2011 بتكليف حمادي الجبالي أمين عام حزب حركة "النهضة الإسلامية" آنذاك بتشكيل الحكومة الجديدة، وعين الصيد مستشارا للأمن القومي لحمادي الجبالي خلال حكم النهضة التي قادت البلاد عقب انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011. واستقال حمادي الجبالي في مارس 2013 إثر أزمة سياسية بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد. ويراهن المؤيدون للصيد علي قدرته علي الخروج بالبلاد من أزمتها الأمنية والاقتصادية ومواجهة الجماعات الارهابية التي تقتل الشرطة والعسكريين وأصحاب التوجه اليساري. بينما يري معارضوه انه يمثل جزءا من النظام البائد وأن البلاد تسير في نفس الطريق الذي كان سببا في اندلاع ثورة ورحيل نظامين حتي الان. ويبقي نجاح الحكومة الجديدة مرهونا بقدرة الصيد علي تحقيق الوفاق الوطني بين التوانسة لتكوين جبهة داخلية قوية في مواجهة إرهاب الداخل والخارج.