لأكثر من عشر سنوات تسعي الحكومات الغربية جاهدة لمنع تدفق مواطنيها الذين يسافرون للقتال في مناطق الحروب عن طريق مجموعة من الإجراءات منها زيادة الرقابة علي من يعبرون عن رغبتهم في الالتحاق بصفوف الجهاديين وإنشاء برامج إليكترونية لتتبع أنماط السفر المثيرة للشكوك. وجاء في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس مؤخرا كانت بمثابة تذكير مؤسف للغرب بأن ما تم اتخاذه من إجراءات لم يكن كافيا لتقليل خطر التهديد بارتكاب هجمات إرهابية. وطبقا لأحدث أرقام أصدرتها الحكومة الأمريكية فإن عدد من يسافرون للخارج للاشتراك في القتال يزداد حيث أن من يتم تجنيدهم في العراقوسوريا يبلغ حوالي ألف شخص شهريا. وتابع التقرير أن تزايد القلق والمخاوف من أن هؤلاء العائدين من أماكن القتال يمكن أن يعيشوا لسنوات دون أن يلفتوا الانتباه دفع مسئولي مكافحة الإرهاب في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا إلي سرعة التوصل إلي طرق جديدة لمنع مواطنيها من السفر إلي الخارج للقتال وهي جهود تم اتخاذها بأكبر قدر من السرعة في ضوء عمليات القتل في فرنسا. وأضاف التقرير أن قوانين مكافحة الإرهاب الجديدة أو المعدلة التي تم تمريرها في بلاد مثل ألبانيا واستراليا والبوسنة وفرنسا وكوسوفا ومقدونيا وصربيا جعلت السفر للقتال في صراعات خارجية مثل اليمن وسورياوالعراق غير قانوني. وأصدرت ماليزيا والمملكة العربية السعودية حظرا يمنع مواطنيهم من الانضمام إلي تنظيم داعش،فيما زادت عمليات اعتقال الأشخاص المشتبه في أنهم متشددون في النمسا والمغرب ،كما تم محاكمة مقاتلين أجانب في كل من ألمانيا وسويسرا. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية ،فإن مسئولي تنفيذ القانون الفيدرالي لم يفرضوا رقابة مشددة علي شبكات التواصل الإجتماعي فقط ولكن أيضا علي السلطات المحلية لمعرفة الأشخاص المحتمل سفرهم للقتال.وفي إطار ذلك قام جيه جونسون وزير الأمن الداخلي الامريكي بعدة زيارات في الأشهر الأخيرة إلي شيكاجو ولوس أنجلوس ومينابوليس لتعزيز الشراكة بين الدولة والحكومة الفيدرالية والمجموعات المحلية للكشف عن المتشددين المحتملين لديهم. ويضيف التقرير أنه علي الرغم مما تفعله وكالات المخابرات وتنفيذ القانون من جهود لمنع سفر المواطنين إلي سوريا ،فإنه ما زال أمامهم المزيد لفعله. وكانت الولاياتالمتحدة قد أحكمت سيطرتها علي هذا الامر سبتمبر الماضي ودفعت بنجاح لتمرير قانون ملزم في مجلس الامن لإجبار كل الدول لاتخاذ خطوات «لمنع وقمع» تدفق مواطنيهم للانضمام إلي النتظيمات الإرهابية. وأوضح التقرير أن هناك تركيزا خاصا علي بلاد مثل تركيا القريبة من سوريا والتي يسهل اجتياز حدودها مما سمح لآلاف المتشددين العبور إلي ساحة القتال في سورياوالعراق. ويشير التقرير إلي أن إجمالي المقاتلين الأجانب الذين سافروا للقتال في سوريا منذ اندلاع الصراع عام 2011 هو18 ألف منهم 3000 من الاوروبيين،طبقا لتقديرات وكالة المخابرات الأمريكية.ويضيف التقرير أنه ليس فقط أعداد المقاتلين مستمرة في الزيادة ولكن هجمات باريس أظهرت أن تكتيكات الجماعات الإرهابية قد تطورت بطريقة تهدد الأمن. ويمثل فرع القاعدة في اليمن مصدر قلق للولايات المتحدة لقدرته علي تنفيذ هجمات بالطيران مثل المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة مدنية أمريكية يوم عيد الميلاد عام 2009.وتشير التحقيقات إلي أن الأخ الأكبر من الشقيقين المشتبه بهما في تنفيذ الهجوم علي صحيفة «شارلي إبدو»والتي أودت بحياة 12 شخصا قد سافر إلي اليمن حيث تلقي تدريبات عسكرية علي استخدام الأسلحة الآلية ،كما ظهر في الفيديوهات الخاصة بالحادث.ويقول مسئولون أمريكيون أن المخابرات الفرنسية ووكالات إنفاذ القانون فرضوا مراقبة علي الشقيقين كواشي بعد عودة سعيد كواشي من اليمن عام 2011، ولكن تم إيقاف هذه المراقبة بعد فترة للتركيز علي تهديدات أخري. ويوضح التقرير ان سفر المتشددين للخارج للقتال يرجع تاريخه إلي الفترة التي سافر فيها المجاهدون إلي أفغانستان في الثمانينات لقتال الجيش السوفيتي هناك.وطبقا للخبراء في مجال الإرهاب فإن نطاق وأسباب تدفق المتشددين للسفر للقتال في الخارج تختلف اليوم عن ذي قبل. ففي البوسنة وكوسوفا يسافر الشباب بحثا عن المكاسب المالية التي تقدمها الجماعات الإرهابية للمجندين بها،أما ما يدفع الشباب المتشدد للسفر في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا هو إيمانهم بفكرة الخلافة التي يدعو لها تنظيم داعش. واختتم التقرير أن المخاوف من إرتكاب المقاتلين العائدين هجمات إرهابية في بلادهم قد زادت بشكل كبير منذ أن قام مهدي نيموشي ،وهومتشدد فرنسي يبلغ من العمر 24 عاما، بقتل أربعة أشخاص في المعبد اليهودي بروكسل في مايو الماضي بعد عودته من سوريا. وطبقا لوزارة الداخلية الفرنسية فإن عدد المتشددين الذين يخططون للسفر أو سافروا بالفعل للإنضمام لصفوف الجهاديين في العراقوسوريا يزداد حيث بلغ ألف شخص.ويقول باريت وهوضابط سابق بالمخابرات أن حوالي 180 منهم قد عادوا إلي فرنسا.وفي بريطانيا سافر 600 متشدد للقتال في العراقوسوريا وعاد نصفهم للبلاد مرة أخري. وفي الولاياتالمتحدة حددت السلطات عشرات الأمريكيين الذين انضموا لتنظيم داعش أو جبهة النصرة ثم عادوا للبلاد مرة أخري.ويقول مسئولون فيدراليون أن خط الدفاع الاول للحد من التهديدات الإرهابية هوالأصدقاء والعائلة ولكن في الغالب لن يبادر أحد بالإبلاغ عن أحد يعرفه قد سافر للقتال في الخارج.