لم تترك القنوات الفضائية إثما إلا وارتكبته، ولا رجسا من عمل الشيطان إلا وولجت فيه ولم يتبق لها من الفواحش شيء لم تتناوله سوي الأفلام الإباحية، وأعتقد أنها في سبيلها لذلك فبدءا من طرح قضايا الشذوذ مرورا بالتحرش والإلحاد عروجا إلي الجن والعفاريت هبوطا إلي حلقات الرقص ومسابقات الغناء وبرامج الطبخ وتفسير الأحلام تحولت شاشات التليفزيونات إلي ساحة حرب بين مقدمي البرامج الذين تبادلوا وصلات الردح والسباب والتخوين والتشكيك في المهنية، فهذا يتهم ذاك بالنفاق ولحس الأحذية وذاك يتهم هذا بالفبركة والكذب وتلك تتهم هؤلاء بأنهم ليسوا من مستواها فهي حاصلة علي الماجستير في الإعلام وهم مجرد صحفيين لا راحوا ولا جم، وأنهم كسعاة البريد أو أجهزة الفاكس تنحصر مهمتهم في نقل الأخبار ما لهم ومال الإعلام المرئي، وهذا مذيع أخذته العزة بالإثم فقرر أن يكون داعية إسلاميا معتقدا في قرارة نفسه أنه علامة عصره وأوانه «فشر» القرطبي والبخاري وابن تيمية والأئمة الأربعة الشافعي ومالك وأبوحنيفة وابن حنبل، وزاده الجهل غرورا فوصف مؤلفاتهم واجتهاداتهم بالتراث العفن، وبعد أن أصبح العالم مخرفا والجاهل حصيفا والجراح خطيبا والخطيب مذيعا في الفضائيات والبلطجي ثائرا والثائر بلطجيا والهروب من السجون بطولة والخوض في الأعراض مروءة وأصبح الشرف نقيصة والرشوة مغنما لم يكن من العجيب الهجوم علي الأزهر ورجاله ولا من الغريب أن يكون للتسول فلسفته، فالمتسول لا يقول اعطني مساعدة أو صدقة، إنما يستخدم أسلوب التهديد لإجبارك علي الدفع حتي ولو لم تكن مقتنعا، فإذا كان أعرج أو كسيحا قال ربنا يكفيك شر العجز وحوادث الطرق ويبعد عنك شر كل سواق أعمي، أما إذا كان مكفوف البصر أو محروق الوجه واليدين أو مدعيا ذلك مد لك يده وهو يقول ربنا يكفيك شر نار الدنيا والآخرة، أما إذا كان متورم الساقين أو إحداهما فيقوم بمدها في وجهك ويقول ربنا يبعد عنك المرض وفي مواسم الامتحانات تستبدل الكلمات بقول ربنا ينجح لك ولادك ويفرحك بيهم، في النهاية أنت تدفع وأجرك علي الله ولك ثواب الصدقة إذا أخرجتها لوجه الله، حتي ولو كنت علي يقين أن للمتسول بلطجيا يقاسمه الحصيلة، ومع التقدم العلمي ودخول التكنولوجيا تطورت فلسفة التسول فأصبحت تري علي الشاشات صورا لعرجي ومكسحين ومرضي السرطان وقد تساقط شعرهم وصورا أخري يشيب لها الولدان لتسمع بعد أن يتسمم بدنك عبارات مثل التعاطف وحده لا يكفي ثم نكتشف أن الهدف في النهاية زيادة حصيلة الإعلانات التي تصب في جيوب أصحاب الفضائيات.