نتانياهو يحاول استمالة الأحزاب الدينية المتشددة التى سبق وأن ضحى بها بين عشية وضحاها، اجتاحت عاصفة التغيير المشهد السياسي في تل أبيب، ففي حين جزم المراقبون في الماضي غير البعيد باستحالة إجراء انتخابات مبكرة، وأن اعضاء الائتلاف الحكومي - خصوم نتانياهو قبل مؤيديه – يرغبون في وجوده، مبررين ذلك بانعدام وجود البديل، إلا أن نتانياهو نفسه خرج علي الجميع وقاد انقلاباً علي ائتلافه، حينما أقال وزيرة العدل تسيپي ليڤني، ووزير المالية يائير لابيد، فتقرر إجراء الانتخابات العامة منتصف مارس المقبل، وأمام هذا الواقع الذي بات يفرض نفسه علي الجميع، أعادت كافة القوي السياسية والحزبية في إسرائيل ترتيب أوراقها، ولاحت في الأفق وجوه جديدة، تسعي لقيادة الحكومة المرتقبة، لا سيما في ظل أفول نجم نتانياهو وفقاً لأكثرية التقديرات. وتشير معطيات الواقع السياسي في تل أبيب إلي أن وزير داخلية نتانياهو المستقيل جدعون ساعر، يعتزم خوض المنافسة علي رئاسة حزب الليكود أمام نتانياهو، خاصة في ظل استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً حول الدعم الجماهيري للرجلين، واتضح من خلال النتائج بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن شعبية ساعر بلغت 43%، بينما توقفت نسبة تأييد نتانياهو عند حاجز 38% فقط. ولعل تلك النسبة وغيرها من شواهد، هي التي أملت موقفاً حاسماً علي وزير المالية المقال، رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد، الذي قال رداً علي سؤال حول إمكانية توليه حقيبة وزارية في حكومة يرأسها نتانياهو: "نتانياهو لن يصبح رئيساً للوزراء مجدداً". علي صعيد ذي صلة، دخل رئيس حزب "شاس" اليميني المتطرف إيلي يشاي علي خط المنافسة ولكن من زاوية أخري، إذ رصد موقع "والاّ" محاولات تواصله مع عدد ليس بالقليل من أقطاب الأحزاب الدينية المتشددة، وفي طليعتها رئيس حزب البيت اليهودي "نفتالي بينت" في مسعي لتشكيل تكتل حزبي ديني، يمكن من خلالها خوض انتخابات الكنيست المزمعة في السابع عشر من مارس المقبل، ما يشي بأن تعويل نتانياهو علي الأحزاب الدينية بات خاسراً، إذا نجح التكتل الذي يدور الحديث عنه في دخول المنافسة. وفي وقت ضاق فيه الخناق السياسي حول نتانياهو، ظهر علي الساحة اسم موشي كحلون، لينضم إلي سجل المتصارعين، فبعد عامين من اعتزاله الحياة السياسية، قرر اسئناف عمله دون استئذان، ووسط حاشيته وأسرته دشن وزير الاتصالات والرفاه السابق كحلون حملته الانتخابية الجديدة، حينما ظهر أمام حشد كبير من الشباب في تل أبيب، وقال بأعلي صوته: "أنا عضو أصيل في حزب الليكود، الذي يعرف كيف يصنع سلاماً، وكيف يتنازل عن أراض للفلسطينيين، إنني محسوب علي حزب الليكود المحافظ والمسئول". وألمح كحلون إلي احتمال قبول دمج قوته السياسية مع نتانياهو، قائلاً: "كل من يؤيد أچندتي ويرغب في التعاون معي سأفتح له الباب علي آخره". وركز كحالون في حديثه علي عدة ملفات رأي أنها السبب الرئيسي في تقلص وربما تدهور شعبية نتانياهو، ومن بينها الملف الاجتماعي، والإسكان، موضحاً إن لديه خطة يمكن من خلالها إنهاء كافة المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل. رياح العاصفة السياسية انتقلت من اسرائيل إلي الولاياتالمتحدة، وحلت علي مركز "سابان" البحثي بواشنطن، فخلال المؤتمر السنوي للمركز الذي حضره هذا العام عدد من ساسة الدولة العبرية، أكد رئيس حزب العمل يتسحاق هيرتسوج أنه سيصبح رئيس وزراء اسرائيل القادم، الأمر الذي أثار حفيظة وزيرة العدل المقالة، رئيسة حزب "الحركة" تسيبي ليڤني، لكنها تعاملت مع تصريحات هيرتسوج باستخفاف، وقالت: "الأهم من ذلك أن يكون هناك رئيس وزراء آخر لإسرائيل غير نتانياهو"، إلا أن هيرتسوج همس في أذن زوجته التي حضرت المنتدي قائلاً: "سأكثف كل جهودي للتعاون مع ليڤني، وتشكيل جبهة قوية أمام التيار الداعم لنتانياهو". من جانبه وتعليقاً علي هذا الصراع، يري المحلل الإسرائيلي "أتيلا شومفيلبي"، أن موقف نتانياهو بات عصيباً للغاية، ورغم انه فقد كافة القوي الداعمة الا انه لا يزال مصراً علي ان الجميع علي خطأ وهو الوحيد علي صواب، وأن الجميع خانوه، وأن توتر العلاقات مع الولاياتالمتحدة لم يكن سبباً فيه، وأن الأداء المتردي للجيش الإسرائيلي في غزة، وغياب العملية السياسية مع الفلسطينيين، ليس له دخل في أي منهما، وإنما يعود السبب في ذلك وغيره إلي ائتلافه لا سيما يائير لابيد. وبحسب الخبير الإسرائيلي، فالأحزاب الدينية التي دعمت نتانياهو في السابق، ترفض حالياً الالتزام علانية بدعمها له في الانتخابات المقبلة. محمد نعيم