لا أدري لماذا تذكرت الخوارج في أعقاب سماعي أخبار الاعتداء الآثم والمجزرة البشعة التي حدثت لجنودنا في سيناء هذا الأسبوع. كيف يتم تكفير هؤلاء الجنود واستحلال قتلهم باسم الدين، والدين براء من ذلك؟!! إنهم بالفعل خوارج العصر الحديث، فمن هم الخوارج؟ ارتبط الخوارج ارتباطًا وثيقًا بمرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي، وهي ما نسميه فجر الإسلام، حيث حدث الاختلاف السياسي حول منصب الخليفة والخلافة، ولكن سرعان ما تم إلباس الخلاف لباس الدين، وهي اللعنة التي أصابت العالم الإسلامي حتي اليوم، المصحف والسيف، الدين والسياسة. وأصل المشكلة أن تدخل بعض الوسطاء للصلح بين الإمام عليّ ومعاوية حول من يتولي الخلافة، وطالب هؤلاء بالتحكيم بين عليّ ومعاوية، وخرجت فرقة علي هذا الإجماع، ورفضت التحكيم، متعللةً بأن التحكيم خطأ، لأن حكم الله في الأمر واضح وجلّي، وطلبوا من الإمام عليّ أن يقر علي نفسه بالخطأ بل بالكفر لقبوله التحكيم!! ومن هنا سيرفعون الشعار الذي سيصبح آفة تصيب الحياة السياسية والدينية منذ ذلك الوقت وحتي الآن، رفع هؤلاء شعار «لا حكم إلا لله»! وهو نفس الشعار الذي اعتمدته كل الجماعات المتطرفة باسم الدين بعد ذلك، وصولاً إلي جماعات الإرهاب الحالية. وسُميَّ هؤلاء بالخوارج لأنهم خرجوا علي إجماع الأمة آنذاك بقبول التحكيم، وإن رأي بعض مناصريهم أن تسمية الخوارج ترجع إلي خروجهم مهاجرين في سبيل الله ورسوله مجاهدين لنصرة الإسلام!! وبدأ هؤلاء الخوارج في تكفير مخالفيهم، وظنوا أنهم هم - الخوارج- جماعة المسلمين، ومن خالفهم هم الكفار والعياذ بالله! حتي أن بعض فرقهم أفتت بعدم أكل ذبائح من خالفهم حتي لو كان مسلمًا، ولا أن يتزوجوا منهم، ولا يتوارث الخارجي وغيرهم من المسلمين، لأنهم أي غيرهم من المسلمين مثلهم مثل كفار العرب وعبدة الأوثان، لا يُقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، ودارهم دار حرب، ويحل قتل أطفالهم ونسائهم، ولا تحل التقية، بل هي الحرب! والغريب أن هؤلاء القتلة كانوا للأسف من حفظة القرآن، ومدعي التدين لدرجة أن البعض وصفهم بأنهم «منحنية أصلابهم علي أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم بأيةٍ من ذكر الجنة بكي شوقًا إليها، وإذا مر بأيةٍ من ذكر النار شهق شهقةً كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كلاً لهم... قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم». وهكذا كان الخوارج في بدايتهم متساهلين في تكفير مخالفيهم، مسرفين في قتل مناوئيهم، ومن أشد الناس تطرفًا في مظاهر التعبد والتدين! وحارب الخوارج كل الدول الإسلامية؛ الأموية والعباسية، وفشلوا في إسقاط الدولة، وانتهي بهم الأمر إلي الزوال. ومن بقي منهم أدرك أن التطرف مخالف للإسلام، وأن الاعتدال والوسطية هو سبيل المسلمين، لذلك ظهرت فرقة الإباضية التي ما تزال في عمان والمغرب العربي حتي اليوم. أدرك الخوارج فشل مسعاهم في الخروج علي الدولة، وأن الإسلام دين الوسطية، وظهر المذهب الأباضي، حتي المغول أدركوا أن الغزو والسلب والدمار عار علي البشرية ودخلوا في الإسلام وكانوا عماد الحضارة الإسلامية في الهند. فهل يُدرك خوارج زمننا عبرة التاريخ ويتركوا التكفير والقتل ويدخلوا في سماحة الإسلام وعالم الإنسانية؟