لم تكن حياة «بنيامين كراونشيلد برادلي» الصحفي الأمريكي المخضرم الذي كان علي رأس صحيفة «واشنطن بوست» إبان كشفها لفضيحة «ووترجيت» التاريخية والذي توفي قبل أيام عن عمر 93 عاما - الا «مسيرة احتراف» تمكنت من ان تترك بصمة صاحبها علي مجال الصحافة ليس فقط في الولاياتالمتحدة بل في العالم. هذا ما أجمع عليه كبار الكتّاب في الولاياتالمتحدة، وذكره تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» عن مسيرة حياة الصحفي الذي اشتهر ب «بن برادلي» ووصفوه ب «الأسد»، «الأسطورة»، «المحارب». ولد برادلي عام 1921، في اسرة ميسورة الحال، وتخرج في جامعة هارفاد، وبدأ عمله كمحرر في صحيفة «نيوزويك» ثم انضم ل «واشنطن بوست» كمحرر لعدة سنوات. وفي بداية عمله عام 1942، استقل برادلي احدي المدمرات الحربية المشاركة في الحرب العالمية الثانية وظل علي متنها لمدة عامين يجوب البحار ويشهد القتال الحي وكان يساعد في مهام مراكز التنسيق المعلوماتي بين السفن الحربية. بعد ذلك حدث انه كان في جولة داخل البيت الأبيض وتصادف وصول وفد من المسئولين الفرنسيين دون ان يكون هناك مترجم ليحضر اجتماعهم مع الرئيس «هاري ترومان» آنذاك فعرض ان يحضر اللقاء ويقوم بالترجمة الفورية، نظرا لإجادته اللغة الفرنسية. وفي عام 1951، سافر برادلي الي فرنسا حيث عمل ملحقا صحفيا بالسفارة الأمريكية في باريس عام 1951 ثم عاد مرة أخري الي «واشنطن بوست» عام 1965 كمدير تحرير قبل ثلاث سنوات من تعيينه رئيسا للتحرير. فور عودته الي الصحيفة عمل علي إعادة بناء قدرات طاقم المحررين وتشجيعهم وإلهامهم. وبدعم كامل من الناشرة «كاثلين جراهام» قاد برادلي الصحيفة لتتصدر وسائل الإعلام المطبوعة في الولاياتالمتحدة وتتبوأ مكانة متقدمة جدا علي الصعيد السياسي وتصير محل نظر المسئولين الأمريكيين وربما مبعث قلق لهم ايضا. فقد كشف إثنان من محرري الصحيفة عما بات يعرف ب «فضيحة ووترجيت» الشهيرة التي أدت الي استقالة الرئيس «ريتشارد نيكسون» عام 1972، وكان ذلك بمثابة انتصار مدوي للصحيفة ولبرادلي. ودعم برادلي صحفييه؛ «كارل بيرنشتاين» و«بوب وودوارد» اللذين كانا قد لاحظا في 16 يونيو 1972 اقتحاما لمجمع «ووترجيت» الذي يضم مقر اللجنة القومية للحزب الديمقراطي لتبدأ تفاصيل الكشف عن فضيحة تنصت الجمهوريين بعلم وتدبير الرئيس نيكسون علي منافسيهم الديمقراطيين. وتحمّل برادلي وطاقمه الصحفي نفيا متكررا من قبل البيت الأبيض وتهديدات من المدعي العام آنذاك والذي سجن لاحقا، حتي تكشفت تفاصيل القضية واستقال نيكسون. وأدي هذا الي تغيير جذري في مفهوم العمل الصحفي في الولاياتالمتحدة فقد باتت الصحف أكثر ميلا للتشكك والتأهب للبحث والتحري والتحقيق تجاه اي اخفاقات سياسية. وكان برادلي قد كتب في مذكراته عن هذه الفترة «منذ قضية ووترجيت، أصبحت أبحث عن الحقيقة بعد ان اسمع روايتها من المسئولين». وحصلت الجريدة علي جائزة «بوليتزر» عن هذه القضية و17 جائزة صحفية أخري. عرض برادلي الاستقالة في إحدي المرات بعد ان قامت صحفية من جريدته باختلاق قصة حصلت فيها علي جائزة بوليتزر، ثم اضطرت الي إعادة الجائزة بعد ان انكشف كذبها – لكن طاقم المحررين قدموا من الدعم والمساندة ما دفع برادلي للعدول عن قراره. ظل برادلي في الصحيفة لمدة 26 عاما حتي عام 1991 عندما قرر التقاعد مع بلوغه العام السبعين. وأمام النجاحات المهنية الكبري التي حققها، لم تكن حياته الشخصية مستقرة، فقد تزوج ثلاث زيجات أسفرت عن أربعة أبناء وعشرة أحفاد. وفي العام الماضي، وبعد مسيرة العطاء الصحفي، نال الوسام الرئاسي للحريات من الرئيس باراك أوباما عام 2013. ولخص برادلي مسيرة حياته ودافعه في نجاحاته الصحفية - في مذكراته - بقوله انه يؤمن بشدة في مقولة لأحد معلميه خلال فترة الدراسة «ان أفضل أمر يمكننا القيام به اليوم هو ما يجعل غدنا أفضل».