حسام فخر شاطئ البحر مليء بالمشاعل الموقدة، وأناس كثيرون يتحلقون حول النيران يأكلون ويشربون ويصفقون ويغنون، والبعض يسير من دائرة لأخري يشتري ويبيع أو يجلس لحظات للتسامر ولشرب ما يدعونه إليه، ومن التلال البعيدة الخضراء يأتي فتي بدين يلف وسطه بإزار قماش ولا يتحرك إلا جريا.. وبجواره تجري غزالة، عندما يصل الي الشاطئ المزدحم يهمس الناس. ها قد أتت الغزالة وابنها. من كان يصدق ان تتبني الغزالة هذا الغلام اليتيم وتصبح أما أحن من أمهات البشر؟ والعجيب أنه يعرف الكلام مثلما يعرف لغة الغزلان وأفضل. يقترب الفتي وغزالته من مجموعة يختارها كيفيما اتفق، ينزل علي ركبته ويلصق فمه بشفتي الغزالة ويمسح بيده علي عنقها بحنو بالغ وهي ترمش بجفونها.. يستمر في هذه القنبلة لزمن لا أدري طال أم قصر ثم فجأة يقف وسط المجموعة ويأخذ في الإنشاد.. أجمل شعر سمعته إذن بشر يتدفق من فمه بلا توقف وبلا أي مجهود علي ما يبدو.. الصوت السحري يستحوذ علي الجالسين، ويمتلكهم تماما، يتوقف كل منهم عما كان يفعله ويثبتون أبصارهم وأسماعهم علي الفتي ويغرقون في غيبوبة نشوة لذيذة بفعل كلماته المبهرة حتي ينتهي- كما بدأ- فجأة ويرتب علي غزالته- ويركضامعا عائدين الي أحراشهما الآمنة. الفتي واقف ينشد أشعاره القدسية- فتاة ممشوقة تقترب من الحلقة صامتة وتقف هناك لتستمع اليه.. في بداية الأمر لا يلحظها مستغرقا في الحانه ثم فجأة يلمح نور المشعل يتراقص علي وجهها مبديا جماله الخارق.. لأول مرة يتلجلج للحظات ثم يستأنف شعره ولكن في صوته الآن رنة تردد. الشعر لم يعد وحده الملك المتوج علي قلبه، وجود المنافسة الجميلة يخنق صوته بعض الشيء.. لكنه يستمر. بعد انتهائه ذهب اليها وجثا علي ركبته أمامها معلنا حبه الخالد الذي التهمه علي غير انتظار. تعطيه نظرة واحدة وتتركه سائرة في طريقها يتبعها منشدا متوسلا فتقف وتسأله مستقرة أتريدني أن أحبك أنت أيها البدين؟ أنا أجمل فتيات الأرض فمن أنت؟ يقول أنا الصوت الجميل وحبي كصوتي لا نظير له.. والغزالة بجواره ترمقه بنظراتها المحبة وإن غامت عيونها بعض الشيء باحساس لا أفهمه لعله الخوف أو الشفقة أو الشك. تستمر في سيرها وفي تجاهله وهو يلاحقها مستمرا في توسلاته، تتوقف الحسناء وترمي اليه بشرطها.. مهري ثمن حبي هو إزار من جلد الغزالة وبعد أن أرتديه تقول في أجمل قصائدك وبعدها أنا لك إلي الأبد. يرقد الفتي علي الأرض وفمه علي فم الغزالة ويسراه تربت علي عنقها بحنان.. وهي مستسلمة مطمئنة تقبله.. ويمناه مختفية وراء ظهره ممسكة بالخنجر.. وعندما تغمض الغزالة عينيها للحظة تنطلق يمينه بسرعة البرق غارسة الخنجر في عنقها.. تفتح عينيها وتومض فيهما نظرة دهشة وعدم تصديق لكنها تستمر في تقبيله حتي تهمد حركات جسدها.. بعد ان يسلخ الفتي الغزالة يصنع من جلدها الازار الذي طلبته حبيبته مهرا ويتقدم نحوها يلف الازار حول وسطها وردفيها ويطوقها بذراعيه آملا أن يذوق شهد فمها.. ولكنها تقول له مهلا ليس الآن.. ليس قبل القصيدة أجمل قصائدك تقولها فيَّ أنا أجمل فتيات الأرض وتنادي بأعلي صوت حتي يتجمع كل الجالسين علي الشاطئ حولهما وتقول تعالوا اسمعوا اجمل قصائده سيقولها في أنا. يغرسون مشاعلهم في رمال الشاطئ ويجلسون.. يقف علي تلة منخفضة ويبدأ في تحريك شفتيه. الكلام يتدفق في قلبه وعقله لكن فمه لا يخرج منه إلا همهمات وأنات البكم: آه.. آه.. آه يمسك بحلقه محاولا إخراج الكلمات منه بالقوة ولا ينبس إلا آه.. آه.. آه.. ينفجر القوم ضاحكين وتنزل دموع المهانة من عينيه وتهز الفتاة كتفيها ناظرة اليه باستخفاف وهي تسير بعيدا عنه!!.