د. سعاد الشرقاوى لعل أهم قضية مطروحة علي الساحة السياسية اليوم هي توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات الطموحة التي يحلم بها كل مصري ويتمني أن يري هذا الحلم حقيقة في مدي زمني منظور. نحن لا نريد لمصر في أوائل القرن الواحد والعشرين اللجوء الي القروض الخارجية أيا كان مصدرها.... لان إدارة هذه الديون تحتاج إلي أبحاث ومراجعة جادة ممن يدين بالولاء لهذا الوطن ويريد اخراجه من الدائرة المفرغة...التي تعوق تقدمه وتربكه في سداد الديون وفوائدها...والتي تعتبر فخا لايقع فيه الا من لايقرأ التاريخ... والاقتصاد... وفي مجال اقتراح حلول بديلة نذكر أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الأولي مثقلة بالديون نتيجة إلزام اتفاقية فرساي1919 ألمانيا المهزومة بدفع تعويضات للدول المنتصرة... مما دفع ألمانيا سنة 1933 إلي تبني سياسة نقدية جديدة أوحي بها دكتور شاخت محافظ البنك المركزي في ذلك الحين وذلك لمواجهة أزمة حقيقية متمثلة في انخفاض قيمة العملة، وبطالة يعاني منها 6 ملايين شخص في سن العمل، وانخفاض الإنتاج إلي اقل من 60 % من الإنتاج 1928.طور دكتور شاخت نظام التمويل الاستباقي وفتح الائتمان لصالح تشغيل الاقتصاد في شكل قروض أو أوامر صادرة بتشغيل عاطلين في مشروعات البنية التحتية. الآلية التي اتبعتها ألمانيا سنة 1933 تتمثل في اتفاقيات تلزم مديري المشروعات الذين ينفذون مشروعات البنية التحتية بخلق عدد معين من فرص العمل لتشغيل العاطلين. فكل مقاول يتلقي امرا بتنفيذ مشروع من مشروعات البنية التحتية يتعهد تعهدا كتابيا بخلق فرص عمل وسميت تعهدات المقاولين باسم اتفاقيات او سندات خلق فرص عمل. بعد اتباع سياسة التمويل الاستباقي انخفض عدد العاطلين من 6 ملايين سنة 1933 إلي 3 ملايين سنة 1934. وارتفع الناتج الإجمالي العام من 45.2 مليار لسنة 1933 مايو الي 52.4 مليار مارك لسنة 1934. وهكذا أدي استغلال عوامل الإنتاج الكامنة في ألمانيا إلي تعويض كميات النقد التي تم ضخها... التقط جون ماينر كينز (الاقتصادي المعروف والذي شغل منصب محافظ البنك المركزي الانجليزي فيما بعد) هذه التجربة الألمانية وقام بصياغة نظرية التضخم الإنتاجي la notion d inflation productive في مؤلفه المشهور « النظرية العامة في التشغيل وفائدة النقود» وتري هذه النظرية أن زيادة المعروض النقدي (الإصدار الجديد) هو مقدمة للزيادة في المعروض من السلع والخدمات التي يتم إنتاجها تأسيسا علي تمويل المشروعات الإنتاجية وبهذا فإن نظرية التضخم الإنتاجي يتيح للاقتصاد أن ينتقل من عدم استغلال عوامل الإنتاج:- إلي الاستغلال الأمثل أو الكامل لهذه العوامل( أرض...و رأسمال... وعمل).... وواضح أن هذه النظرية التي تربط التضخم (الناتج عن إصدار عملة) بالإنتاج تختلف اختلافا جوهريا عن التضخم الخالص الذي يظهر في حالة عدم ضخ النقود في مجالات الانتاج والذي يؤدي الي تراجع او تباطؤ او ركود... ناهيك عن التضخم الذي يمول الاستهلاك الترفي والاستيراد بلا أي قيود.....اوتمييزلصالح فئات لاينعكس علي المجتمع ككل... التضخم الناتج عن الائتمان لتشجيع الاستهلاك يؤدي الي ركود او تراجع الاقتصاد... بينما التضخم الذي يمول مشروعات إنتاج زراعي أو صناعي أو خدمي يؤثر إيجابا... نتيجة زيادة المعروض من السلع والخدمات وتشغيل العاطلين واستغلال عوامل الإنتاج....مما يحدث نقلة نوعية في هيكل الاقتصاد... و لا تنجح نظرية التضخم الإنتاجي إلا إذا كانت هناك عوامل إنتاج غير مستغلة.... وهو بالضبط ما ينطبق علي مصر بعد دراسة خريطتها الجغرافية والجيولوجية والسكانية..... 90 % من عوامل الإنتاج معطلة تنتظر من يحركها وهو الوضع الأمثل لتطبيق نظرية التضخم الإنتاجي.... أليس جديراً ان يلتقط المسئولون عن إدارة الدين العام... والمالية العامة...وإصدار النقد.... نظرية كينزعن التضخم الانتاجي وجعل غطاء العملة هو العمل... ويجتهدوا في تطبيقها بدلا من اللجوء الي الاقتراض من الخارج الذي نعرف تداعياته السلبية... من تاريخنا... ومن تجارب الدول الأخري. كاتبة المقال: أستاذة بحقوق القاهرة