عظام فى يد المحرر التجارة تزدهر في بداية الدراسة.. وحلم الثراء السريع أهم أسبابها المقابر المهجورة بسبب خلافات الورثة مرتع للبلطجية واللصوص سكان القبور صُم بُكم عمي خوفا علي حياتهم
تجار المخدرات يطحنون العظام لتحويلها إلي بودرة جماجم للمدمنين اذا غابت قيم وتقاليد اي شعب غاب اصلهم، واذا غاب تقديسهم لموتاهم غابت اخلاقهم، ومن المعروف أن المصريين يحترمون ويقدسون موتاهم، ولكن الواقع شئ آخر، بعد ان وصل الامر الي الإتجار فيها كمصدر للرزق، فلم يعد احدا يراعي حرمة الموتي واصبح جسد المصري الذي يعاني في معاشه لا تفارقه معاناته بعد مماته، لتصبح عظامه ورفاته وسيلة او طريق للثراء السريع بعد أن فتحت كل الأبواب أمام البلطجية واللصوص وتجار عظام الموتي، وراح تجار الموتي ينبشون القبور - دون مراعاة لحرمتها او اعتبار للدين او الاخلاق - يسرقونها وسط غياب امني، وحددوا في لافتة وهمية اسعار عظام الموتي وهي لافتة لا تعلق علي مدخل المقابر او علي ابواب كليات الطب وانما تعلق فقط في اذهانهم ، وعن اغراض الاستخدام وتنوع الزبائن فحدث ولا حرج، فهناك هياكل عظمية مخصصة للبيع لطلاب كليات الطب للدراسة واخري لطحنها وتعاطيها كمخدرات وكله بثمنه انه عالم تجارة عظام البشر، عالم خفي لا يعلم عنه شيئا سوي من هم بداخله فقط.. ولكي نكشف اسراره وخباياه كان لابد من ايجاد طريقة لا تثير اي شبهات او قلق لدي ابطال هذا العالم، وبالبحث عن الطريقة لم يكن امامنا سوي «تقمص» دور طلاب طب، لنكشف في تحقيق استقصائي الكثير من خفايا وأسرار عالم تجارة الموتي. كان لابد لنا للوصول الي ابطال هذا العالم الخفي من البحث عن اول الخيط الذي بواسطته قد نخطو اولي خطواتنا بداخله وهم طلاب كلية الطب، فهم من المفترض « زبائن « لهؤلاء التجار( تجار عظام الموتي).. والوصول لهؤلاء الطلبة ليس بالامر السهل، خاصة بعد ان استسلموا للواقع واتخذوا الطريق السهل وهو شراء الهياكل العظمية الصينية والمعروفة باسم(ماتيريال) وهذه الاشياء اصبحت متوافرة وبكثرة بمحلات بيع الادوات الطبية، ولكي نتمكن من لقاء طلاب كلية الطب كوسيلة لنصل من خلالهم الي اول الخيط توجهنا الي كلية طب قصر العيني. توقفنا امام البوابة الرئيسية للكلية نتربص اي طالب يخرج من البوابة يحمل علي كتفيه «البالطو الابيض» بعد دقائق شاهدت طالبا في العقد الثالث من العمر متوجها الي البوابة الرئيسية يعتزم الدخول فاستوقفته واخذت عدة دقائق من وقته، فرحب، عرفته بنفسي كطالب بكلية طب عين شمس وادعيت بأنني حضرت الي هنا للقاء احد استاذة الكلية - منتهزا معرفتي باسم استاذ جامعي مجرد اسمه فقط لأخذ استشارته حول بحث اجريه وملت تجاهه قائلا: احنا طبعا زملاء في نفس المجال واكيد تعاني نفس معاناتي في توفير «العظم «. الطالب: طبعا الاخبار: انا كنت عايز اشتري، متعرفش حد بيبيع الحاجات دي؟ الطالب: اه اعرف طبعا، شايف حضرتك المبني الاحمر الكبير ده ويقصد مبني قصر العيني الفرنساوي . فأجته: ايوه الطالب: هتلاقي وراه محلات كتير بتبيع الحاجات دي. الاخبار: بس يا دكتور انت عارف ان الهياكل الصيني دي مش زي الحقيقي، لان العظم الحقيقي بيكون تفصيلي غير الصيني اللي مش بيوضح اي شئ. الطالب: انا معاك في ان الصيني مش بيكون موضح بس برضو مش فاهم قصدك. فقولت: انا عايز عظم حقيقي. الطالب: لا لا انا معرفش الحقيقي ده بييجي منين، ولا اعرف حتي فيه محلات بتبيعه ولا لأ. الاخبار: ولا حتي تعرف حد ليه سكة يوصلني لشخص بيبيعها؟ الطالب: لا والله انا معرفش، انا لما احتاج جثة ادرس عليها بروح مبني التشريح وانت عارف ان الكلية بتوفر الحاجات دي. الاخبار: انا عارف طبعا بس انا مش بقولك انا عايز جثة، انا عايز هيكل عظمي حقيقي الطالب: متأسف يا دكتور انا معرفش السكك دي والله، سلام عليكو. « كانت هذه اولي محاولتنا كطريقة للوصول الي اول الخيط، وهكذا كانت نفس الاجابة لخمسة طلاب اخرين التقيت معهم، سألت نفسي: اذا كان طلاب الطب يعتمدون علي الجثث التي توفرها لهم الكلية للدراسة والتعليم عليها، وبالنسبة للهياكل العظمية فتوفرها لهم محلات الادوات الطبية اذن فما المشكلة فالواقع ليس كما نشاهده في الافلام التي تدور احداثها حول معاناة طلبة الطب في توفير جثة للتعلم عليها ويحاولون بطرق غير مشروعة في شرائها او سرقتها. «افكار وتخيلات كثيرة اصبحت تزحم عقلي، الي ان التقيت بطالبة كانت في سنة الامتياز وتدعي الدكتورة اثار مروان متخصصة طب اطفال، ولكن هذه المرة كشفت لها عن شخصيتي الحقيقة وانني صحفي، موجها لها سؤالي: كيف تتصرفون كطلاب طب في توفير هذه الاشياء خاصة انكم تدرسونها طيلة السنوات الستة ، قالت: هذه الاشياء اصبحت توفرها الكلية للطلاب علي عكس 10 سنوات مضت، حيث كان من الصعب تحقيق ذلك، اما الآن اصبح كل شئ متاحا، فالكلية توفر لنا عددا من الجثث كل عام ويبلغ عددها تقريبا 15جثة تكون مخصصة لنتعلم وندرس عليها، حيث يقوم 10 معيدين بالكلية عقب تسليمها للكلية بتشريحها وتجهيزها للطلبة وتكون محفوظة في مادة الفورمالين حتي لا تتآكل او تصدر منها رائحة كريهة وموضوعة في مكان مخصص بمبني التشريح بالكلية، ويأتي الطلبة خلال محاضراتهم للمبني للدراسة عليها، اما بالنسبة للهياكل العظمية التي يستلزم علي الطالب توفيرها في منزله طوال فترة دراسته وهي بنسبة كبيرة تكون حقيقية ، وان هناك 3 طرق امام الطالب للحصول عليها، الاولي اما يقوم الطالب بتأجيرها من خلال اسر اتحاد الطلبة بالكلية او من خلال طلاب متقدمين في الدراسة او تخرجوا في الكلية عرضوها للبيع لعدم حاجتهم اليها مرة اخري، مع العلم - مستكملة حديثها - ان هذه الهياكل لها عمر افتراضي وتتعرض للتلف بعد عدة سنوات علي عكس الهياكل البلاستيكية التي يتم استيرادها من الصين فعمرها الافتراضي اطول بكثير من عمر الهياكل الحقيقة، واضافت الدكتورة اثار: اما الطريقة الثالثة هي عمال المشرحة حيث يقومون بتوفيرها للطلبة نظير مقابل مادي ولكن لا احد من الطلاب يعرف كيف يوفرونها. أول الخيط «كان السبيل الآخر لنا بعد فشل محاولتنا مع الطلاب في الوصول لاي معلومات حول عالم تجارة عظام الموتي ، هو عمال المشرحة فقد نستطيع من خلالهم التعرف علي هذا العالم، حاولنا الوصول الي احدهم ولكن باءت محاولاتنا جميعها بالفشل، حيث ادعي لنا الجميع ان الطلبة الذين تخرجوا ويمتلكون العظام ولم يعد احد منهم في حاجه اليها يطلبون منهم عرضها للبيع للطلاب الذين يرغبون في شرائها او للطلاب الجدد نظير مقابل مادي، وقبل خروجنا من بوابة الكلية فوجئت بشاب لا يتعدي عمره ال23 عاما يعمل في وظيفة ادارية بالكلية يقترب مني وكان قد سمع حديثي مع عمال المشرحة وعلم برغبتي في شراء عظام بشرية - وقال:»طلبك عندي»، لم اصدق ما قاله، سألت نفسي في دهشة ممزوجة بالأمل هل هذا الشخص حقيقي ام انني اتخيل، صافحته بيدي كي اتأكد انه واقعي وليس كما اتخيل، فأخيرا بعد رحلة بحث اقتربت من 10 ايام اجد ما ابحث عنه واني علي وشك الاقتراب من دخول هذا العالم، سألت الشاب: كيف؟ الشاب: بُص يا دكتور انا هكون صريح معاك انا معرفش تُربية في المقابر بيطلعوا عظم البني آدمين، بس انا اعرف دكتور يعرف شخص هو اللي بيشتريله الحاجات دي. الاخبار: و عرفت ازاي ان الدكتور ده بيشتري العظم الحقيقي؟ الشاب: الدكتور ده انا بشتغل معاه في الفترة المسائية وعلاقتنا ببعض قوية ، وكان طلب مني من كم يوم اروح لصاحب محل ادوات طبية واعطاني مبلغ 1600 جنيه، وقالي هتروح لفلان اديله الفلوس دي وهيديلك «جزء من ذراع بشرية حقيقية». الاخبار: انت تعرف المحل ده فين؟ الشاب: ايوه طبعا الاخبار: ممكن تدلني عليه؟ الشاب: اكيد بس انا مش هقابله، انا هقولك علي المحل بس الاخبار: تمام توجهت بصحبة الشاب الي المحل الذي يقع بأحد الشوارع الضيقة المتفرعة من شارع قصرالعيني، دخلت المحل رأيت شخصا في العقد السادس من العمر يجلس علي مكتبه، وألقيت عليه السلام، صاحب المحل: وعليكم السلام، أؤمر؟ الاخبار: عندك هيكل عظمي؟ صاحب المحل : موجود ان شاء الله الاخبار: بلاستيك ولا حقيقي؟ صاحب المحل: كله بلاستيك صيني، مفيش حاجه حقيقي (اقتربت منه واملت برأسي ناحية اذنه ) الاخبار: عايز حقيقي وانا تحت امرك في اللي انت عايزه؟ صاحب المحل: انا قولتلك معنديش يا دكتور، لو عايز مش هتلاقي الحاجات دي غير عند التُربية في المقابر روح هناك وهما هيطلعولك اللي انت عايزه. الاخبار: يعني انتي متعرفليش سكه او حد تبعتني له وانا اروحله؟ صاحب المحل: لا انا معرفش يا دكتور وانا مش شغال تُربي انا صاحب محل ادوات طبية. (وبعد حديث امتد لما يقرب من 7 دقائق خاصة بعد ان شاهد صاحب المحل علامات اليأس والخضوع علي وجهي - )فاجأني بقوله: هقولك علي حاجه، انا كنت اعرف اسم تُربي من فترة طويلة شغال في مقابر باب الوزير بالدرب الاحمر ومش عارف هو لسه موجود ولا لأ ، ممكن اقولك علي اسمه وانت تروح تسأل عليه بنفسك. (لم اكن اتوقع رده، لتتبدل علامات اليأس علي وجهي الي سرور ) الاخبار: تبقي حضرتك عملت فييا جميل كبير ومش عارف اشكرك ازاي ) صاحب المحل: ربنا يوفقك، التُربي اسمه (م.م) رحلة المغامرة توجهت وزميلي المصور الي منطقة مقابر» الخفير»، حيث المساحات الواسعة التي تقع عليها المقابر، لا توجد اسوار محيطة بها، فالمنطقة المنبعجة بالسكان تتعدي وتتزاحم منازلهم تلك المقابر القديمة. المواطنون يدخلون ويخرجون منها كعابر سبيل لا احد يسألهم اين يذهبون او ماذا يفعلون، وما لاحظناه ان وجوه هؤلاء الناس سواء من سكان المنطقة او سكان القبور معروفة لبعضهم البعض «متعودن عليها» اما اذا دخل شخص غريب المنطقة فلا يسلم من ملاحقة العيون له، وتشعر كأنك متربصا منهم، توقفنا عند مدخل المقابر من ناحية منطقة الدرب الاحمر حيث شارع لا يتعدي عرضه 3 امتار يفصل بين منطقتي الدرب الاحمر والخليفة، رأينا شابا في العقد الثالث من العمر يجلس بجوار « كوليدير مياه» علي مدخل المقابر، سألناه: فيه تُربي في المنطقة اسمه (م.م)، فأجاب: ايوه بس ده توفي من كم سنة، وابنه هو اللي شغال مكانه دلوقتي الشغلانه دي، سألناه: طب ممكن توصلنا ليه، فقال الشاب: لا انا معرفش والله، بس استني كده اسألك عم (ج)، وعم ج يعتبر من اقدم الاشخاص الذين يعيشون بالمنطقة وهو رجل بلغ من العمر ارذله وكان مرتديا جلبابا لم اتمكن من تحديد لونه لبهاتته ولا مكان فمه من كثافة ذقنة ذي اللونين الابيض والاسود، فقال له الشاب: عم ج متعرفش المعلن (ا.م) فين ، فيه زباين بتسأل عليه؟، فرد عليه الرجل: تلاقيه في المحل بتاعه، سألنا الشاب: فين المحل بتاعه واحنا نروح له، فقال لنا الشاب: في ميدان القلعة. توجهنا انا وزميلي المصور- الي ميدان القلعة، وامام المحل المقصود، سألنا صبيا يعمل به: امال فين المعلم ا.م؟ فرد: مش موجود اصله في مشوار كده، فسألناه: طب ممكن نأخذ رقم تليفونه ونكلمه، احنا زباين وعاوزين منه خدمة. فقال: مفيش مشاكل الرقم اهو، قمت بالاتصال بالمعلم: ألو المعلم ا.م المعلم: ايوه، مين معايا الاخبار: انا زبون وعايزك في خدمة المعلم: أؤمرني الاخبار: الله يخليك يا معلم، بس الموضوع مش هينفع بالتليفون، عايز اقابلك المعلم: خلاص ماشي، انت فين دلوقتي الاخبار: انا قدام المحل بتاعك المعلم: طب بقولك تعالالي عند الصينية- يقصد الميدان - اللي قدام مسجد السلطان حسن الاخبار: ماشي يا معلم، 3 دقايق هكون عندك وصلنا الي المكان المقصود، انتظرنا ما يقرب من 10 دقائق، واعد الاتصال به مرة اخري، ليخبرني انه يقف وصل الميدان ويستقل دراجته بخارية، بحثت بعيني ارجاء الميدان، حتي وقعت عيني علي رجل يبلغ عمره 55 عاما تقريبا مرتديا بنطالا وقميصا يضعه خارجه، اقتربنا منه وصافحناه وعيناه ترمقنا من الاعلي الي الاسفل،مسبقا بقوله: تحت امرك، فأجبته: انا طالب بكلية الطب وفيه حد ابن حلال كان يعرف والدك الله يرحمه هو اللي دلني عليك وكنت عايز منك توفرلي « عظم» علشان دراستي، وانت عارف اكيد ان الدكاترة لازم بيحتاجوا الحاجات دي. المعلم -وقد ارتسمت علي وجهه علامات استفهام كثيرة لم اعرف اجاباتها -: يا دكتور انا شغال تُربي وملييش في الحاجات دي الاخبار: يا معلم انا طالب منك خدمه، ومحتاج للهيكل ده ضروري علشان دراستي واللي انت عايزة انا تحت امرك فيه. المعلم: بس انا مش شغال يا دكتور قولتلك في الحاجات دي، وحد الله مابيني وبين الحرام. الاخبار: يا معلم بقولك دي خدمه علشان دراستي، انا مش عايزه علشان اتاجر بيه. المعلم: ماهو يا دكتور للاسف فيه ناس بتاجر فيه. الاخبار: بقي يعني بزمتك يا معلم دي اشكال تتاجر بردو، ولو انت مش مصدق، وقمت باإبراز بطاقتي الشخصية القديمة له وكان مكتوبا بها «طالب». المعلم: يا دكتور انا مصدقك، بس انا ملييش في الموضوع ده والله العظيم، الحاجات دي ليها ناسها. الاخبار: لو ملكش في الموضوع، اكيد يا معلم ده تعرف حد ليه، مش كده ولا ايه، ثم انا مش هأخده ببلاش، ماهو كله بتمنه. صمت قليلا ثم قال: طب بقولك ايه يا كتور تعالي معايا نروح ونتكلم احسن من المكان هنا. الاخبار: ماشي يا معلم، - وطلبت منه ان يوافق علي مرافقة زميلي المصور- لنا بسيارته فوافق. العالم الخفي «ركبت معه الدراجة البخارية وتوجهنا الي منطقة المقابر، وامام المدخل ترك المعلم « الفذبه» وتقدمنا الي داخل القبور واروقتها وانا وزميلي المصور نسير خلفه والقلق والخوف يتملكنا حيث ثقلت اقدامنا وصعبت حركتنا . «وخلال سيرنا خلف المعلم كانت أعينيا تقع علي حقن فارغة يستخدمها البلطجة في تعاطي المخدرات ملقاة علي التُرب دون مراعاة لحرمة الموتي وبعد 5 دقائق تقريبا من السير، حيث لم يتسن لنا تحديد المسافة التي قطعناها، طلب منا المعلم ان ننتظر داخل حجرة صغيرة، وفي حقيقة الامر لم تكن حجرة مخصصة للاستراحة اوالجلوس وانما كانت مقبرة او كما يطلقون عليها التُربية « حوش « بداخله تُربة مفتوحة بالاضافة الي غرفة صغيرة لا تتعدي مساحتها 23 امتار وكان بداخلها شاب ذو ملابس قديمة متسخة وتبين لنا انه عامل ارزقي يقوم بتنظيف الترب ويعمل تحت امرة المعلم الذي وفر له هذه الغرفة ليعيش فيها. «بعد مرور 15 دقيقة تقريبا دخل المعلم ولا ندري اين غاب- وجلس بجوارنا» قائلا»: طلباتكم؟ الاخبار: احنا عايزين هيكل عظمي، بس الاول نعرف الاسعار؟ المعلم: انا قولتلك يا دكتور انا ملييش في الشغلانه دي، بس انت باين عليك بصراحة أنك راجل محترم ومش وش بهدله وصعبان علييا قوي، شوف يا دكتور انا هجيبلك من الاخر، انا ممكن اجيبلك هيكل عظمي بس ده ليك انت بس، ولو حد تاني طلب مني كده مستحيل هقبل. الاخبار: ربنا يخليك يا معلم انت راجل شكلك ابن بلد المعلم: ده من ذوقك بس يا دكتور الاخبار: قولي بقي يا معلم، ايه اخبار الاسعار؟ المعلم: يادكتور انا قولتلك دي مش شغلتي علشان اعملها اسعار. الاخبار: امال انت هتجيبلي الهيكل ازاي؟ المعلم: متقلقش انا اعرف اجيبلك ولو عايز ادخلك المقبرة بنفسك وتشوفه قبل ما تخده مفيش مشاكل عندي. الاخبار: انا موافق يا معلم ادخل معاك المقبرة. بس قولي انت عايز تاخد كام؟ المعلم: بص انا كنت صريح معاك من الاول، وعلشان الحاجه دي هعملهالك انت بس لاني مليش في الشغلانه دي هااخد منك علي الهيكل 8 الاف جنيه. الاخبار: بس ده كتير اوي يا معلم، وانا بصراحه مش عامل حسابي علي المبلغ ده كله المعلم: طب شوف انت يا دكتور عايز بكام وانا تحت امرك؟ الاخبار: مش هنختلف يا معلم، بس نشرب الاول كوبايتين شاي الاول من ايديك الحلوه دي علشان احنا بنلف علي رجلينا من الصبح ومعرفناش حتي نشرب ميه المعلم: يا نهار ابيض من عيننا، لاموأخذة يادكتور انا سهيت علي الواجب، معلش اصل موضوعكم واكل دماغي حبتين. (قام المعلم بإشعال بوتاجاز صغير موضوع في زاوية الحوش ليضع كنكة كبيرة عليه مليئة بالمياه، موجها سؤاله لنا :خفيف ولا تقيل؟ ) الاخبار: خفيف، سكر زيادة (واثناء اعداده الشاي، تحدثنا معه علي سبيل الدردشة) الاخبار:الا قولنا يا معلم ، عندك فكرة عن بيع العظم ومين اللي بيبيعه ؟ المعلم: اعرف حاجات كتير، اصل ولاد الحرام يا دكتور بقو كتير ومخلوش لولاد الحلال حاجه، ومفيش حد دلوقتي يقدر يوقفهم او حتي يقولهم انتو راحين فين الاخبار: ازاي يا معلم؟ المعلم: بص يا دكتور المقابر اللي احنا فيها دي قديمة قوي وتحتها اثار، انا كتُربي مقدرش ادخلها بعد الساعة 7 المغرب، اللي بيدخلها بقي بالليل البلطجية وتجار الكيف، بيدخلوا يعملوا الدماغ، اللي منهم بيشرب المخدرات واللي بيشم هيروين واللي بيأخذ حقن ويقصد حقن بها مواد مخدرة -، والناس دي يا دكتور بيكون معاها سلاح ومحدش بيقدر يقولهم بتعملوا ايه حتي الناس اللي ساكنين في التُرب دي نفسها. الاخبار: والناس اللي بتسرق العظام من التُرب دي مين هما؟ المعلم: الناس اللي بتدخل المقابر هما البلطجية ومتعاطي المخدرات وهما اللي بيلفوا علي التُرب وبيسرقوها والكلام ده كله مش بيحصل غير بالليل، مفيش حد بيشوفهم، والموضوع ده يعتبر مصدر رزق للبلطجية ومن كذا اتجاه. الاخبار: ازاي يعني؟ المعلم: فيه بلطجية بيكونوا شغالين عند تجار او متفقين مع عمال المشارح انهم يجيبولهم هياكل عظمية من التُرب مقابل مبالغ مالية كبيرة ، وكمان البلطجية نفسهم بيستفيدوا من نبش القبور وسرقة العظم لانهم بردوا بينولوا من الحب جانب، يعني مش كل العظم اللي بيجبوه بيبعوه، وبيقوموا بطحن العظم ده وبيحطوا عليه برشام زي الترامادول لحد ما تبقي بودرة بيسموها « بودرة جماجم»، وبيشموها ككيف زي الهيروين كده. الاخبار: والبلطجية واللصوص بيدخلوا ويحفروا كل المقابر ويدوروا فيها ولا ايه؟ المعلم: لا طبعا، فيه تُرب اصحابها مش بيسألوا عليها وسايبنها كده من سنين طويلة علشان بيبقي بينهم خلافات ورثة وكده، وفيه احواش ماليهاش ابواب ولا شبابيك بعد ما اتسرقت بعد الثورة ومن السهل يدخلوها ويحفروها ويطلعوا منها العظم، بعد الثورة الدنيا بقت سايبه والبلطجية بقوا هما المتحكمين في المقابر، وفي الحقيقة مبقتش مقابر بعد تعرضها للنهب وانتهاك حرمتها، دي بقت وكر لتجارة وتعاطي المخدرات والسلاح والدعارة ومكانا لاختباء اللصوص وقطاع الطرق،وغير التُرب دي، فيه كمان «العضامات» - وهي عبارة عن مكان مخصص لتشوين بقايا وعظام الجثث بعد مرور سنوات طويلة عليها- العضامات دي بيكون فيها عظم كتير وبيكون مكانها جنب «الحوش «، البلطجية بيفتحوها وبيسرقوا منها العظم. الاخبار: وتعرف ايه عن سعر الحاجات دي؟ المعلم:انا اعرف ان الهيكل العظمي الكامل المتماسك او السليم - يقصد الهيكل الجديد لم تمر عليه سنوات طويلة سعره حوالي من6 الي 10الاف جنيه، والهيكل الكامل غير المتماسك من 3 الي 5الاف جنيه، والجمجمة لوحدها تعملها حوالي من الف ونصف الي الفي جنيه، وبالنسبة للذراع الواحدة تعمل حوالي 500 جنيه،. الاخبار: يااه للدرجة دي الاسعار عالية قوي كده، التجارة دي علي كده مربحة فعلا المعلم: طبعا يا دكتور، الموضوع ده ليه ناسه وتجاره الاخبار: والهيكل العظمي اللي احنا عايزينه هتجيبه لنا ازاي؟ المعلم: تعالوا معايا افرجكم علي الترب علشان تشوفوا بنفسكم الدنيا وكمان تختاروا الهيكل اللي انتوا عايزينه.
السير علي الأموات (شعرت انا وزميلي المصور في تلك اللحظة ان اقدامنا توقفت وعجزت عن الحركة من شدة الخوف، فنحن لا نعلم شيئا عن هذه المقابر ومن يسكن فيها، فقد نلقي اي من هؤلاء البلطجية او اللصوص وتقع الطوبة في المعطوبة، واحسسنا ان ماتبقي من حياتنا سوي دقائق او لحظات ، فهنا الداخل مفقود والخارج مولود، ولكن كان هدفنا في البحث عن الحقيقة وكشف هذا العالم المخيف هو السبب الوحيد في تورطنا بهذه الورطة، فالصحافة مهنة البحث عن المتاعب وها هنا اصبحنا اثناء سيرنا مع المعلم بطرقات وممرات ضيقة وسط المقابر،لاحظنا عددا من الاحواش المنهارة والمتهالكة، بعضها سرقت ابوابها ونوافذها مما يسهل للبلطجية واللصوص نبش التُرب التي داخلها، واخري تم تجديدها وتركيب ابواب ونوافذ لها من فترة قريبة من قبل اصحابها، وتُرب اخري وقد تم نبشها وسرقة محتوياتها حتي عظام الموتي بها وقد لا يعلم احد من اصحابها عن ذلك ولفت انتباهنا ان معظم هذه الاحواش مطلة علي الطرقات العامة والشوارع الرئيسية وليس لها اسوار للحماية فيكون من السهل للصوص اقتحامها وسرقتها وقتما يشاءون.. وعندما نظر إلينا المعلم ورأي وجوهنا تتجول في ذهول ودهشهة ارجاء المكان بادرنا بقوله: المعلم: انا بشوف حاجات يا دكتور في مهنتي دي اللي وارثها اباً عن جد تطير شعر الراس، للاسف فيه ناس الشر جواها اكتر من البلطجية والحرامية اللي بقولك عليهم دول، ميعرفوش ربنا ولا يعرفوا دين. الاخبار: ليه يا معلم، انت بتشوف ايه، احكيلنا؟ المعلم: يعني مثلا، دخلت اكتر من تُربة كنت بنظفها واجهزها قبل ما ادفن متوفيا جديدا، كنت بلاقي ورق وحاجات غريبة داخل التٌربة وساعات بلاقي الورق ده داخل بُق المتوفي نفسه، عارف الورق ده ايه يا دكتور؟ الاخبار: ايه يا معلم؟ المعلم: دي اعمال شعوذة، الناس الشر اللي بتبقي عايزة تأذي حد، بتعمل الحاجات دي وتحطها في التُرب علشان الاعمال دي متتفكش، وتبقي عبارة عن ورقة مثلا علي شكل عروسة بها ثقوب، وساعات بيكون ورق ابيض مكتوبه عليه كلام مش مفهوم بالحبر الاحمر، سبحان الله بيكون حظه كويس اللي معموله العمل ده وبلاقيله الورق ده. الاخبار: ليه يا معلم انت فيه ايه؟ المعلم: طبعا بأخده وبحطه في ميه بملح وساعتها «العمل» بيتفك عن صاحبة، دي ناس قلوبها مفيهاش رحمه. « وامام احد الاحواش شبهة المنهارة وكان مطلا علي شارع رئيسي، وقف المعلم امام مدخله وفتح بوابته الحديدية وكانت مقفلة بواسطة قطعه من القماش ودخل ونحن خلفه الحوش. كانت اجزاء من اسوارة منهارة ومتساقطة، مكون من غرفتين كل غرفة بداخلها مقبرة، اقتادنا المعلم الي احدي الغرفتين لنجد ان نصف سقفها الخشبي ساقطا وبداخلها تُربة، وكانت الصدمة عندما وجدنا هذه التُربة مفتوحة، عزم المعلم الي النزول اليها وطلب مني النزول خلفه قائلا: هتنزل معايا تشوف بنفسك الهيكل العظمي الاول، لم اتردد للحظة، لأقدم الي النزول مطالبا زميلي المصور النزول ايضا خلفي لا لتقاط عدد من الصور دون ان يراه المعلم ، واجزم ان هذه اللحظات كانت بالفعل مخاطرة كبيرة لنا، دخلت التُربة لأري مشهدا مؤسفا حزينا يدل علي الانتهاك الصارخ لحرمات الموتي، فالمقبرة نفسها كان جزء منها متساقطا تاركا ثقبا كبيرا يسمح لدخول الضوء، وهيكل عظمي ممدد بوسط المقبرة وكان حجمه صغيرا يدل علي ان المتوفي كان طفلا لا يتعدي عمرة 17 عاما، ظل المعلم يقوم بازالة بعض التراب عليه وتبين ان الهيكل متهالكلا مما يشير الي ان المتوفي مر عليه عدة سنوات، انتهزت فرصة تهالك الهيكل لكي امتنع عن شراءه بحجة انه لا يصلح في دراستي، قائلا للمعلم: ان هذا الهيكل قديم جدا ولا يصلح لي حيث اريد هيكلا جديدا متماسكلا، فقال المعلم: والله يا دكتور المقبرة دي هي اللي مفتوحة دلوقتي، وعلشان افتح مقبرة تانية لازم اجيب عامل بفأس علشان يحفر والموضوع ده صعب دلوقتي، حيث كنا في وضح النهار وحركة السيارات والاهالي في الشارع كثيفة، كما فوجئنا من المعلم ان هذا الحوش مسئول عنه تُربي اخر، حيث تبين لنا ان كلا من التُربية مسئول عن عدد محدد من الاحواش داخل المقابر يقوم بحراستها ويتواصل مع اصحابها، فاخبرت المعلم اننا لسنا علي عجلة من امرنا وظهرت له مدي سعادتي بالتعرف عليه وانه يمكننا ان نتواصل بالهاتف حين يتمكن من توفير هيكل عظمي جديد، فقال: معلشي بقي يادكتور الجاجات كتير وان شاء الله هشوفلك حاجه تعجبك وكُلك نظر، فهمت منه انه يجب علي ان اعطية مبلغ تحت الحساب ( عربون) لكي يتأكد من عودتي مرة اخري، لم اتردد واعطته مبلغ بسيط من المال، ولكن قبل ان نغادر التُربة طلبت من المعلم ان نلتقط عدد من الصور للهيكل بواسطة زميلي مدعيا له بانني سوف اعرضها لعدد من زملائي بالكلية، وقد يوافق احد منهم علي شراءه او حتي اجزاءه منه، مبررا ذلك له بان زملائي منهم من يحتاج في شراء قطع معينة من الهيكل وليس كله، حيث اننا ندرس تخصصات مختلفة في الكلية، صمت المعلم قليلا وشعرت بتردده بموافقة علي ذلك قائلا: بس دي حرمة يا دكتور، حتي اقنعته بان ذلك بهدف الدراسة والتعلم وليس لشئ اخر وكله بصوابه، فوافق علي مضضد،فغمزت لزميلي بان يخرج كاميرته الصغيرة عالية الجودة ويلتقط عدد من الصور دون ان يظهر فيها المعلم، وبعد ان انتهي زميلي هممنا بالخروج من هذا المكان قبل ان تكشف هويتنا، علي امل لدي المعلم من عودتنا مرة اخري.