من اهم ملامح شخصية الرئيس الامريكي باراك أوباما انه رجل تصالحي يميل إلي الحلول الوسط والالتقاء مع الاخرين في منتصف الطريق.. هذه الميزة تتحول في بعض الاحيان إلي عيب خطير خاصة اذا كنا نتحدث عن رئيس اكبر واقوي دولة في العالم والذي كثيرا ما تضعه الظروف في مواقف تتطلب الحسم والحزم وتفرض عليه التمسك بموقفه والامتناع عن تقديم اي تنازلات..ويواجه اوباما هذه الايام موقفا من هذا النوع حيث وضعه القادة الاسرائيليون في مأزق امام العالم عندما اعلنوا خططهم لبناء 0061 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدسالمحتلة اثناء وجود نائبه جو بايدن في اسرائيل وهو ما وصفته الصحف الامريكية بانه كان بمثابة صفعة علي وجه اوباما جاءت في الوقت الذي كان يحاول فيه استئناف العملية السلمية في الشرق الاوسط.. والحقيقة ان هذه لم تكن هي المرة الاولي التي تضع فيها اسرائيل أوباما في مثل هذا الموقف. فقد سبق وخذله رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما رفض مطلبه الخاص بتجميد الاستيطان في الاراضي الفلسطينية. ولم يجد اوباما في ذلك الحين امامه سوي ابتلاع الموقف لتفادي الدخول في مواجهة مع اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة. وربما يختلف الموقف بعض الشيء هذه المرة لأن ما فعلته اسرائيل يعد مساسا بهيبة امريكا علي الساحة الدولية.. واعتبر بعض مستشاري اوباما هذا الموقف شديد الخطورة حيث يقدم لدول العالم الاخري نموذجا للاستخفاف بالولاياتالمتحدة وتجاهل مصالحها. /وتكمن قسوة هذا الموقف الاسرائيلي في حقيقة انه جاء من دولة حليفة وهو ما جعله اكثر مهانة في ضوء الدعم الكامل الذي تقدمه الولاياتالمتحدة للدولة اليهودية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ويتساءل الكثيرون في واشنطن الان عن حقيقة الرسالة التي بعثت بها اسرائيل من خلال هذا السلوك إلي دول مثل ايران وفنزويلا وروسيا والصين ترتبط بعلاقات عداء أو تنافس مع الولاياتالمتحدة. وهل يمكن ان يشكل استخفاف اسرائيل بالهيبة وبالمصالح الامريكية سابقة يمكن ان تكررها تلك الدول؟هذه التساؤلات دفعت بعض المسئولين في ادارة اوباما للمطالبة بان يظهر الرئيس الامريكي العين الحمراء لاسرائيل هذه المرة لتكون رسالة مضادة يستوعب الاخرون مضمونها وتردعهم عن الاقتداء بما فعلته اسرائيل. ولكن المشكلة ان اي رئيس امريكي يبني ردود افعاله علي سياسات اسرائيل ليس فقط وفقا للمصلحة الامريكية المجردة بل ايضا في ضوء مصلحته الشخصية والضغوط الداخلية التي يمكن ان يتعرض لها من جانب اللوبي اليهودي. وهذا بالتحديد هو المأزق الذي يعيشه اوباما الأن. هل يتصرف وفقا للمصلحة الامريكية التي أساءت اليها اسرائيل كثيرا عندما احرجته امام العرب والعالم ام يغض الطرف عن كل ما حدث تفاديا للاخطار التي يمكن ان يتعرض لها اذا دخل في مواجهة مع اسرائيل. الارجح ان اوباما سيحاول الخروج من هذا المأزق ايضا اعتمادا علي ميله الغريزي للحلول الوسط واتصور ان يتم ذلك من خلال بعض التصريحات والمواقف التي تبدو متشددة ولكنها لا تمس جوهر الانحياز الامريكي الاعمي لاسرائيل مع مطالبة الدولة اليهودية بتقديم بعض التنازلات بهدف التغطية علي ابتلاع ادارة اوباما لهذه المهانة.