يتعين علينا أن نشير بداءة إلي أن سلطة التشريع الكاملة طبقاً للإعلان الدستوري الصادر عن رئيس الجمهورية المؤقت عقب ثورة 30 يونيو الماضي، قد انحسرت عنه بإقرار ونفاذ دستور 2014 الحالي، إذ تنص المادة (156) من الدستور علي أن:؛ «إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، علي أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلي إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأي المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار».؛ - ومفاد هذا النص أن سلطة السيد رئيس الجمهورية المؤقت في التشريع غدت سلطة استثنائية تقدر بقدر الضرورة ومن خلال القرارات بقوانين والتي يلزم أن يقتصر نطاقها علي التعديلات التشريعية التي يقتضيها وضع أحكام الدستور الجديد موضع التنفيذ، ذلك أن المادة (156) من الدستور سالفة البيان - لم تجز لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات بقوانين إلا لمواجهة ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير حال كون مجلس النواب غير قائم، وعلي أن تعرض عليه هذه القرارات بقوانين خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاده، وإلا زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، وتطبيقاً لذلك فإن أية تعديلات علي قانون الانتخابات الرئاسية غير مطابقة للدستور، تعرض عملية انتخاب رئيس الجمهورية القادمة للبطلان إذا لم يقر مجلس النواب القادم هذه التعديلات، بما مؤداه سقوط هذه العملية الانتخابية برمتها وما ترتب عليها من آثار دون حاجة إلي إصدار قرار بذلك، ما لم يقرر المجلس اعتمادها، وهو أمر مستبعد لكونه يتناقض مع عدم إقرار المجلس للقرار بقانون، إذ لو كان المجلس لا يرغب في إسقاط عملية الانتخاب لاكتفي بإجراء تعديلات علي القانون لتطبق علي الانتخابات اللاحقة دون مساس بنتائج الانتخابات السابقة.}(1)؛ ومن ناحية ثانية فإن المادة (228) من الدستور قضت بتولي لجنة الانتخابات الرئاسية القائمة في تاريخ العمل به الإشراف الكامل علي أول انتخابات رئاسية تالية للعمل به، وبالتالي فإن الأصل أن تظل اللجنة علي طبيعتها التي كانت عليها عند العمل بأحكام الدستور سواء من حيث تشكيلها أو اختصاصها أو طبيعة تصرفاتها وأعمالها، وهي الطبيعة القضائية حسبما جري به قضاء المحكمة الدستورية العليا، ولا يجوز تبعاً لذلك إجراء أي تعديل علي تشكيلها أو في نظام عملها وإجراءاته، وإلا قامت في ذلك مخالفة دستورية.؛ ومن ناحية ثالثة لا يجوز القياس علي الهيئة الوطنية للانتخابات والتي تشكل من غير أعضاء المجالس الخاصة للجهات والهيئات القضائية، حيث تقوم هذه المجالس بإختيار أعضاء الهيئة بأشخاصهم لا بصفاتهم، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية رأس السلطة التنفيذية، وبالتالي فلا محل لقياس لجنة الانتخابات الرئاسية التي تشكل بقوة القانون من رئيس وأعضاء بحكم وظائفهم وكلهم من قمم وأعضاء المجالس الخاصة للجهات القضائية الثلاث، فهي القاضي الطبيعي بالنسبة لمنازعات الانتخابات الرئاسية، وتتوافر فيها عناصر الاستقلال والحيدة والنزاهة، وضوابط المحاكمة المنصفة، من ناحية الإجراءات وكفالة حق الدفاع، نقول لا محل لقياس هذه اللجنة، علي الهيئة الوطنية للانتخابات لأن نص المادة (208) من الدستور لم يقرر ذلك، والنصوص الدستورية لا يجري بشأنها القياس.؛ (1) عن مقال الدكتور سامي جمال الدين أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية - فضلاً عن أن الاقتراع والفرز في نظام الهيئة الوطنية للانتخابات يتولاه أعضاء تابعون للهيئة لا يشترط أن يكونوا قضاة إلا في العشر سنوات التالية لتاريخ العمل بالدستور، وهذا استثناء لا يقاس عليه، والعبرة بوضعها العام الذي انتظمه الدستور. - ومن ناحية رابعة فإن المادة (94) من الدستور تنص علي أن:؛ «سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.؛ وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات».؛ ولما كانت إجازة الطعن في القرارات القضائية للجنة الانتخابات الرئاسية أمام المحكمة الإدارية العليا أو أية محكمة أو جهة قضائية أخري يعتبر مساساً بسيادة القانون واستقلال القضاء بتسليط جهة قضاء علي جهة قضائية أخري، دون سند دستوري صحيح، فإنه بذلك يخالف حكم المادة (94) المشار إليها وينال من كيان الدولة وأركانها الهامة وأساس الحكم فيها ويعرض أمنها الاجتماعي للخطر في حالة إبطال انتخاب رئيس الجمهورية، علي نحو مخالف للدستور، إضافة إلي ذلك فإن المجمع عليه فقهاً وقضاء أن «إعلان» نتائج الانتخاب هو كشف عن «إرادة الناخبين» وليس تعبيراً عن إرادة اللجنة أو الجهة المختصة بهذا الإعلان، ومن ثم فهو ليس بقرار إداري ولا عمل قضائي، ولا تملك أية جهة التعقيب عليها سواء كانت جهة قضائية أو تشريعية، ومن باب أولي جهة تنفيذية، لأن صاحب هذه الإرادة هو الشعب مصدر السلطات جميعها باعتباره السلطة التأسيسية وهي أعلي سلطة في الدولة، وبالتالي لا يجوز لأية سلطة مؤسسة تستمد ولايتها من تلك السلطة العليا أن تعقب بالرقابة أو الإلغاء أو وقف التنفيذ علي الإرادة الشعبية العليا التي أسفرت عنها نتائج الانتخاب.؛ والخلاصة أنه يتعين الفصل بين الأعمال القانونية للجنة الانتخابات الرئاسية، فما يُعد فصلاً في منازعة أو خصومة قضائية فهو بالقطع عمل قضائي صادر عن جهة ذات اختصاص قضائي، وفقاً لمقتضي حكم المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن، أما غير ذلك من أعمال تقوم بها اللجنة فهي إما أن تكون محض النتائج النهائية التي أسفرت عنها عملية الانتخاب، وهي بدورها لا تخضع لرقابة قضائية إذ أنها جزء من عملية قانونية مركبة تسفر في النهاية عن عمل قانوني هو «الإعلان» عن إرادة الناخبين في اختيار من يفوز بالأغلبية التي نص عليها الدستور، وهو عمل لا يخضع كما نوهنا لرقابة أية جهة قضائية أو سلطة مؤسسة.؛