في اعقاب ثورة 52 يناير الباهرة، شُكلت العديد من الاحزاب السياسية، قدر عددها بما يفوق مائه حزب، ويسعي البعض الان الي تكوين احزاب جديدة خاصة بعد ان يُسرت اجراءات التأسيس من الناحية القانونية، وكل هذا حسن ينم عن اهتمام المصريين ببلدهم ومستقبلها بعد طول المعاناة من الكبت والاستبداد السياسي، وتسلط الحزب الواحد علي شئون البلاد. صحيح انه قد تم اندماج بعض الاحزاب، والبعض الاخر ظل حبرا علي ورق، وبعض ثالث لا يبدو له تواجد فعلي في الساحة السياسية، وقد انخفض عدد الاحزاب الموجودة نظريا الي 06 حزبا وهذا عدد كبير جدا يفوق كثيرا العدد الذي يستمر في الحياة السياسية في اية دولة بعد انتهاء فترة التحول التي تعقب الثورات الشعبية.. ان الديمقراطية التي نسعي الي بنائها تتطلب ان تكون هناك تعددية حزبية حقيقية، وهذه لها متطلبات رئيسية يجب ان يتنبه لها الشباب والنشطاء السياسيون حتي لا تهدر جهودهم او يذهب نشاطهم سدي، واهم هذه المتطلبات. الفكر السياسي: ان الاحزاب ما هي الا تجمع افراد يشتركون في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يسعون الي اقامته في الدولة، وهذا الفكر يجب ان يكون مميزا عن فكر الاحزاب الاخري القائمة اذ ان تشابه افكار الاحزاب يؤدي الي تنافسها في اتجاه غير حميد مما يقلل من فرصة حصول اي منها علي الاغلبية التي تمكنها من وضع فكرها موضع التنفيذ. التأييد الشعبي: ان تواجد اي حزب علي الساحة السياسية، يتطلب ان يكون له قبول شعبي، ولذلك ينص قانون الاحزاب في مصر وغيرها علي ضرورة الا يقل عدد مؤسسي الحزب عن حد معين، وهذا الحد هو المستوي الادني المطلوب، وهو يختلف عن التواجد الشعبي للحزب في الشارع السياسي، كما ان الاعداد التي تسجل نفسها في قوائم الحزب لا تعني بالضرورة قيامها بالنشاط السياسي المطلوب، وغني عن القول بان »الشعبية« هي التي تمكن الحزب من الحصول علي نسبة ملموسة في البرلمان، وتؤهله للاشتراك في وضع السياسات العامة، كما ان هذه الشعبية تزيد من الموارد البشرية والمادية اللازمة لممارسة الحزب لنشاطه، من مقار وعقد اجتماعات واجراء استطلاعات للرأي وطبع نشرات وغيرها. القيادة: ان تجمع عدد قليل من الافراد مع بعضهم من اجل تحقيق هدف ما لا يخلو من اختلافات في الرأي ونزاعات علي وجهات النظر، حتي لو اتحد اطارهم الفكري ويكفي ان نشير هنا الي الاسرة الواحدة التي تعاني من الخلافات علي الرغم من وحدة المنشأ والظروف الاجتماعية، والرابطة الاسرية..... فما بالنا بحزب سياسي ينضم اليه ملايين الافراد من خلفيات متباينة ثقافيا وتعليميا وغيرها؟ ان استدامة تواجد الحزب تتطلب ان يكون له قيادة معترف بها، لها احترامها وكلمتها المسموعة، بحيث اذا غُلّبت وجهة نظر فريق علي آخر، فإن الاخير يتقبل وجهة النظر الاخري ولا يستقيل من الحزب او يعاديه مما يؤدي الي تفككه وفنائه. فعلي سبيل المثال اذا كان الحزب ديمقراطيا، ويحدد برنامجه ان تكون الديمقراطية برلمانية وليست رئاسية، فان الخلاف حول هذا الموضوع، وتفضيل فصيل من الحزب للديمقراطية الرئاسية قد تؤدي الي تصدع الحزب ما لم تكن له قيادة لها كلمة مسموعة تحسم هذا الامر بشكل يقبله الجميع، وتجربة الماضي القريب في مصر تظهر تدهور احزاب سياسية، كان لها تواجد قوي في مصر، نتيجة لضعف القيادة، وعدم قدرتها علي لم شمل الفرق المختلفة، لذا فإن القيادة غاية في الاهمية في اي عمل من الاعمال وتزداد اهميتها في مجال تكون الاحزاب واستدامتها. التمويل: ان تدبير التمويل اللازم لنشاط الاحزاب حيوي من وجوه عدة، لا يمكن الاقلال من اهميته، وكم من نشاط- سياسي او غيره- لم يتحقق بسبب عدم توافر التمويل، والتمويل الذي يدعم استمرارية اي حزب يجب ان يعتمد علي المصادر الذاتية لاعضائه، وذلك كي يكون عمله مستقلا، ومخلصا للغرض الذي انشيء من اجله، وهذا يتطلب البعد عن مصدرين للتمويل: اولهما: المصادر الحكومية فاذا اعتمد حزب ما علي تمويل الحكومة والدولة له فانه لا يتصور ان يكون له مواقف مستقلة عن تلك التي تود الحكومة فرضها، ومن ثم فان الحزب يفقد هويته واستقلاله، وكان هذا شأن الاحزاب الورقية التي وجدت في فترة ما قبل 52 يناير 1102 والتي تلقت مساعدات مالية ورواتب من الحكومة، وفي هذا ضرر للحزب وللمجتمع اذ ان وجهة النظر المستقلة ضرورية للتوصل الي افضل الحلول. وثانيهما: المصادر الخارجية، فان هذه المصادر اذا تم الاعتماد عليها فانها تفتح الباب واسعا للتدخل الاجنبي في شئون الدولة وهو فتاك وضار الي ابعد الحدود، ومرفوض شكلا وموضوعا. اذن لابد ان تعتمد الاحزاب علي التمويل الذاتي من اجل استدامتها، وان يكون هذا التمويل نابعا من الايمان بأهمية الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانه يحقق صالح المجتمع، وليس مدفوعا بالمصالح الشخصية لمن يقدم التمويل الاساسي للحزب، والا هدد ذلك مصداقيته وشعبيته. ان طريق الديمقراطية ليس سهلا او قصيرا، وما ذكرناه هو من منطلق تحقيق الاستقرار الديمقراطي لمصر الذي سوف يحقق التنمية والعدالة والاستقرار.