محمد عبدالواحد الحياة فنون، لكل فن ألوانه وجماله وسبحان من أبهرنا بفنه واتقانه واحتار في تدابير كونه المبدعون. وما جعلني اتدبر ملكوت الخالق وصنعه انني عدت بذاكرتي حيث جيل الأسطوات والمبدعين المصريين بذلوا الجهد والعرق من أجل اتقان صنعتهم لدرجة التقدير، فكل منهم كان يقف أمام ابداع غيره يثني عليه ويحاول أن يستخلص منه ما لم يفعله، وعندما تجد الحزن في عين أحدهم تعرف أنه كان يؤنب نفسه علي ما فعله غيره، لأنه لو بذل مزيدا من الجهد لتفوق علي لوحات غيره من الصناع. جيل لم يعرف الحقد أو الكراهية بل كانت هناك غيرة علي المهنة لأنه أجاد فيها فكانت هناك منافسة حميدة حفرت أسماءهم في عالم الصناع، كانوا لا يبخلون علي أنفسهم وصبيانهم بالعلم، فعندما يتعلم الأسطي فنا جديدا يجمع صبيانه ويبدأ يغدق عليهم من خبايا صنعته وتعليمه، فتعلموا من الخالق ان الصنعة عندما تجيد فيها تبيح لك بأسرار ما كنت تعلمها إلا بعد الجهد والعرق، أجادوا في خلقهم وفي صنعتهم، لذلك تمثلوا بالقول »اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله« ولا تنتظر المكافأة فاعلم أن من يعطيك ويجزيك صنيع معروفك موجود، وهنا أردت أن اضرب المثل برد الصنيع بقصة هذا الرجل الذي تقدمت به السن وبزوجته وفجأة يدخل المستشفي وإذا بزائر يزوره ويتحمل نفقاته ورعايته فكل من رآه أثني عليه أمام الرجل، وتعالت أصواتهم له بالدعاء نعم الابن الوفي لأبيه ويزداد صمت الرجل وعندما زاد الحصار في السؤال عن ابنه بكي وقال: ليس بابني بل هو جار لي، وفي اليوم التالي قال له: يا ابني لقد أثقلت عليك في تحمل عناء زوجتي في بيتك ومرضي داخل المستشفي، فرد عليه: كيف أنسي صنيعك يوم وجدتني طفلا أبكي فحنوت عليّ ومسحت دمعتي وأطعمتني الحلوي، أنت نسيت صنيعك وأنا لا أنسي طعم الحلوي من فمي، فعرف ان الله رد له صنيعه لذلك لا تندم علي التعلم والاتقان والابداع ولا تفكر لحظة وأنت تجتهد في عملك وتصنع المعروف في الغير، فإذا كنت تنسي فإن الله لا ينسي.