انتشرت الحسابات على "الفيس بوك" بصورة كبيرة منذ سنتين عندما فوجئ الكثيرون أن ثورة الشباب في 25 يناير قد اندلعت من موقع التواصل الاجتماعي، وقد كانوا يظنون أنه مجرد مكان للقاء الأحبة وتمضية الوقت في "كلام فارغ" والهروب من المذاكرة. لم يتوقف أحد من الوافدين الجدد عند معتقداته السابقة نحو الفيس بوك، ولم يبد حتى اعتذارا عن ظنه السئ في رواده، وراح مهرولا ليفتح حسابا أو صفحة له، للحاق بشريحة جديدة عليه تداوي طموحه للشهرة وما وراء الشهرة. الطريف أن كل هذه الصفحات والحسابات الجديدة دائما ما يتصدرها صورة لصاحبها، ربما لم يتصورها هيكل، أو أي من مشاهير الكتابة في عصرنا الحالي، وراح كل واحد ينسج الكلمات ويتحفنا بآرائه، ساعيا لأن يضرب الرقم القياسي في عدد الأصدقاء أو المعجبين به، دون أن يلتفت لأحد سواه، حتى صار الجميع يتكلمون في آن واحد، ولا يسمع أحدهم للآخر، ولا يتدبر أحدهم ما يكتبه الآخرون، فكانت الإصابة الأولى التي أصابت عالم المرتادين للإنترنت، وقد ظن كل في نفسه أنه الوحيد صاحب الرأي السديد، ولا يجب أن يلتفت لأي رأي سواه. أولئك الذين لا هم لهم سوى زيادة عدد معجبيهم، فراحوا ضحية شهوة الشهرة التي تجاوزتهم، فتحولوا إلى ألعوبة تنتشر من خلالهم الشائعات، دون أن يتدبر ولو للحظة ما يكتبه وما ينقله، ولو أنهم صبروا واطلعوا على الأخبار الأخرى لما وقعوا في هذه المصيدة، بل أصبح الكثيرون يمضون معظم أوقاتهم أمام الشاشات لا يقرأون ولا ينقلون إلا ما يتفق مع أهوائهم. فكانت الإصابة الثانية التي أدركت مجتمعنا، وقد تحولوا إلى أدوات مجانية لنشر الشائعات، . ولم يكن الفيس بوك أو تويتر كله مساوئ، بل كانت له إيجابيات، فقد أظهر الوجه الحقيقي لشخصيات ظننا طوال العمر أنهم لطفاء لا تخرج من أفواههم العيبة، فإذا هم من وراء خنادقهم الإلكترونية عكس ذلك، وقد أصبح السباب والشتائم جزءا أصيلا من قاموسهم، ولم يعد الأمر اختلافا في الرأي. خضت تجربة جميلة قبل فترة عندما أقلعت عن الفيس بوك ومشاحناته، بعد أن أكرمني الله بالبعد عن برامج التوك شو، فهدأت نفسي، و زاد عملي، وبين الحين والآخر يراودني الحنين لصفحاته فأقلبها لأجد نفس الناس ونفس الصور بنفس الكلمات بنفس المشاحنات ونفس الشتائم، فأحمد الله على ما أنا فيه، وأدعو الله أن يمن عليهم جميعا بالشفاء. [email protected]