عن وحشي بن حرب, عن أبيه, عن جده, أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم: إنا نأكل وما نشبع, قال: فلعلكم تأكلون مفترقين, اجتمعوا علي طعامكم, واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه. اجتماع المسلمين حول الطعام دليل حمد وشكر, وحث علي البر والتواصي بجمع القلوب علي البركة التي لا تأتي إلا من الجماعة التي يستلزمها حضور الملائكة, وابتعاد الشياطين. ونتعلم من هديه صلي الله عليه وسلم أن المسلم يشبع بعينيه قبل معدته, ويرضي بنظره عن القليل بدلا أن يتخم بالكثير, فربما كانت اللقيمات اللاتي يقمن صلبه بها من البركة, وما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه, والاستغناء عن الفضول, والاكتفاء بالضرورات من آيات الكمال في الخلق. ولأن الإسلام هو دين التحاب والتواد والتآخي, فإن الطعام مجال لائتلاف القلوب والمشاعر, وتبادل أطراف الحديث الإيماني, ومناقشة ما يستجد من أمور حياتية, ومن هذا نتعلم أن الإسلام يحل مشاكل الناس من خلال جلوسهم حول مائدة الطعام; ليكون زادا للعبادة وخروجا عن الأنانية والذاتية في تناوله, ويكون بابا آخر لاستجلاب الرحمات والبركات. وللطعام آداب في الإسلام وضعها النبي صلي الله عليه وسلم, مثل أن يغسل المسلم يديه قبل الطعام وبعده, ولا يستحب الوضوء للطعام, وأن يسمي الله قبل البدء في الطعام وإن نسي فيقول بسم الله أوله وآخره, وأن يأكل باليمين, وأن يأكل مما يليه, وأن يأكل بثلاث أصابع, وأن يكون متواضعا في أكله وفي جلسته فلا يستعلي علي طعامه وأن يشرك علي طعامه من قام عليه أو خدمه, وأن يبتعد عن الأكل من وسط الطعام بل يكون الأكل من الحواف حتي لا تذهب بركته, وألا يعيب الطعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه, ويجب علي المسلم أن ينتظر الطعام الساخن حتي يبرد, ومن آداب الطعام أيضا تجنب الإسراف والمخيلة, ولا ينسي المسلم بعد طعامه أن يحمد الله تعالي علي كرمه ورزقه فعن النبي صلي الله عليه وسلم- قال: من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه. وصل اللهم علي سيدنا محمد أشرف الساجدين وأكمل العابدين, وإمام الشاكرين وسيد الحامدين, وأجمل المتواضعين, وأكرم خلق الله أجمعين وعلي آله وصحبه وسلم.